فصل: الْجِنَايَةُ عَلَى الْمُرْتَدِّ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


مَالُ الْمُرْتَدِّ وَزَوْجَةُ الْمُرْتَدِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنْ الْإِسْلاَمِ وَلَهُ زَوْجَةٌ‏,‏ أَوْ امْرَأَةٌ عَنْ الْإِسْلاَمِ وَلَهَا زَوْجٌ فَغَفَلَ عَنْهُ أَوْ حُبِسَ فَلَمْ يُقْتَلْ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ هَرَبَ عَنْ بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ فَسَوَاءٌ ذَلِكَ كُلُّهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ لاَ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّةُ الزَّوْجَةِ قَبْلَ يَتُوبُ وَيَرْجِعُ إلَى الْإِسْلاَمِ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ يَتُوبُ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا وَبَيْنُونَتُهَا مِنْهُ فَسْخٌ بِلاَ طَلاَقٍ وَمَتَى ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فِي حَالٍ يُمْكِنُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ صَادِقَةً بِحَالٍ فَهِيَ مُصَدَّقَةٌ وَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا إنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ فَإِنْ قَالَتْ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ قَدْ أَسْقَطْت وَلَدًا قَدْ بَانَ خَلْقُهُ أَوْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ وَرَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ فَجَحَدَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا قَالَ الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهَا إذَا قَالَتْ أَسْقَطْت سِقْطًا بَانَ خَلْقُهُ أَوْ بَعْضُ خَلْقِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا إلَّا بِأَنْ تَأْتِيَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ يَشْهَدْنَ عَلَى مَا قَالَتْ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعٌ يُمْكِنُ أَنْ تَرَاهُ النِّسَاءُ فَيَشْهَدْنَ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي بِأَنْ حِضْت ثَلاَثَ حِيَضٍ فِي مُدَّةٍ لاَ يُمْكِنُ أَنْ تَحِيضَ فِيهَا ثَلاَثَ حِيَضٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا وَإِذَا ادَّعَتْ ذَلِكَ بَعْدَ مُدَّةٍ يُمْكِنُ أَنْ تَحِيضَ فِيهَا ثَلاَثَ حِيَضٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ مَاتَتْ وَلَمْ تَدَّعِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلاَمِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ لاَ يَرِثُهَا لِأَنَّهَا مَاتَتْ وَهُوَ مُشْرِكٌ وَلَوْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَانَا عَلَى النِّكَاحِ وَلاَ يُتْرَكُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلاَمِ يُصِيبُهَا حَتَّى يُسْلِمَ‏.‏ وَلَوْ مَاتَتْ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلاَمِ وَلَمْ تَذْكُرْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ وَرِثَهَا وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةُ كَانَ الْقَوْلُ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ وَتَبِينُ مِنْهُ وَتَثْبُتُ مَعَهُ كَالْقَوْلِ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدُّ وَهِيَ الْمُؤْمِنَةُ لاَ يَخْتَلِفُ فِي شَيْءٍ إلَّا أَنَّهَا إذَا ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِيمَانِ فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا فِي مَالِهِ فِي عِدَّةٍ وَلاَ غَيْرِهَا لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي حَرَّمَتْ فَرْجَهَا عَلَيْهِ‏.‏ وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَّتْ إلَى نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ يَهُودِيَّةٍ لَمْ تَحْلُلْ لَهُ لِأَنَّهَا لاَ تُتْرَكُ عَلَيْهَا وَإِنْ ارْتَدَّ هُوَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا فِي عِدَّتِهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَبِنْ مِنْهُ إلَّا بِمُضِيِّ عِدَّتِهَا وَأَنَّهُ مَتَى أَسْلَمَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ كَانَتْ امْرَأَتَهُ وَإِذَا كَانَ يَلْزَمُهُ فِي الَّتِي يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا بَعْدَ طَلاَقٍ نَفَقَتَهَا لِأَنَّهُ مَتَى شَاءَ رَاجَعَهَا كَانَتْ هَكَذَا فِي مِثْلِ حَالِهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ أَوْ أَكْثَرَ وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِالْمَرْأَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَالْبَيْنُونَةُ فَسْخٌ بِلاَ طَلاَقٍ لِأَنَّهُ لاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّ الْفَسْخَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةُ فَلاَ شَيْءَ لَهَا لِأَنَّ الْفَسْخَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا‏.‏ وَلَوْ ارْتَدَّ وَامْرَأَتُهُ يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ كَانَتْ فِيمَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ لَهَا كَالْمُسْلِمَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا غَيْرَ أَنَّهَا الْمُرْتَدَّةُ وَهُوَ الْمُسْلِمُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تُسْلِمَ أَوْ تَرْجِعَ إلَى دِينِهَا الَّذِي حَلَّتْ بِهِ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ وَلَمْ تَبِنْ مِنْهُ إلَّا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَلَمْ تُقْتَلْ هِيَ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْحُرُّ الْمُسْلِمُ أَوْ الْعَبْدُ وَالْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ أَوْ الْأَمَةُ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ‏.‏ وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ فَطَلَّقَهَا فِي حَالِ رِدَّتِهِ أَوْ آلَى مِنْهَا أَوْ تَظَاهَرَ أَوْ قَذَفَهَا فِي عِدَّتِهَا أَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةُ فَفَعَلَ ذَلِكَ وَقَفَ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْهُ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَيْهَا وَكَانَ بَيْنَهُمَا اللِّعَانُ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا أَوْ تَمُوتَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَالْتَعَنَ لِيَدْرَأَ الْحَدَّ‏,‏ وَهَكَذَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةُ وَهُوَ الْمُسْلِمُ إلَّا أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَ مُرْتَدَّةً‏.‏ وَلَوْ طَلَّقَهَا مُسْلِمَةً ثُمَّ ارْتَدَّ أَوْ ارْتَدَّتْ ثُمَّ رَاجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إحْدَاثُ تَحْلِيلٍ لَهُ فَإِذَا أَحْدَثَهُ فِي حَالٍ لاَ يَحِلُّ لَهُ فِيهِ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا وَلَوْ أَسْلَمَتْ أَوْ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ الرَّجْعَةِ لَمْ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا وَيُحْدِثُ لَهَا بَعْدَهُ رَجْعَةً إنْ شَاءَ فَتَثْبُتُ عَلَيْهَا وَلَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَقَالَ رَجَعْت إلَى الْإِسْلاَمِ أَمْسِ وَإِنَّمَا انْقَضَتْ عِدَّتُك الْيَوْمَ وَقَالَتْ رَجَعْت الْيَوْمَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ رَجَعَ أَمْسِ‏,‏ وَلَوْ تَصَادَقَا أَنَّهُ رَجَعَ أَمْسِ وَقَالَتْ انْقَضَتْ قَبْلَ أَمْسِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا وَلَوْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ فَقَالَتْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي إلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ ثُمَّ قَالَتْ بَعْدَهَا قَدْ كَانَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي كَانَتْ زَوْجَتَهُ وَلاَ تُصَدَّقُ بَعْدَ إقْرَارِهَا أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ وَلَوْ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهَا فِي ذَلِكَ شَيْءٌ قَبْلَ رُجُوعِهِ فَلَمَّا رَجَعَ قُلْت مَكَانَهَا قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا‏.‏

مَالُ الْمُرْتَدِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَكَانَ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ وَلَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلاَدٍ وَمُدَبَّرَاتٌ وَمُدَبَّرُونَ وَمُكَاتَبَاتٌ وَمُكَاتَبُونَ وَمَمَالِيكُ وَحَيَوَانٌ وَمَالٌ سِوَى ذَلِكَ وُقِفَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَنْهُ وَمُنِعَ إصَابَةَ أُمِّ وَلَدِهِ وَجَارِيَةٍ لَهُ غَيْرُهَا‏,‏ وَالْوَقْفُ أَنْ يُوضَعَ مَالُهُ سِوَى إنَاثِ الرَّقِيقِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَرَقِيقُهُ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى يَدَيْ عَدْلَةٍ مِنْ النِّسَاءِ وَيُؤْمَرُ مَنْ بَلَغَ مِنْ ذُكُورِ رَقِيقِهِ بِالْكَسْبِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ وَيُؤْخَذُ فَضْلُ كَسْبِهِ وَتُؤْمَرُ ذَوَاتُ الصَّنْعَةِ مِنْ جَوَارِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ وَغَيْرِهِمْ بِذَلِكَ وَيُؤَاجِرُ مَنْ لاَ صَنْعَةَ لَهُ مِنْهُنَّ مِنْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَمَنْ مَرِضَ مِنْ رِجَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ كَسْبًا أُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ حَتَّى يُفِيقَ فَيَقْوَى عَلَى الْكَسْبِ أَوْ يَبْلُغَ الْكَسْبَ ثُمَّ يُؤْمَرَ بِالْكَسْبِ كَمَا وَصَفْنَا وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ هَارِبًا إلَى دَارِ الْحَرْبِ أَوْ غَيْرِ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ مُتَغَيِّبًا لاَ يَدْرِي أَيْنَ هُوَ‏؟‏ فَسَوَاءٌ ذَلِكَ كُلُّهُ وَيُوقَفُ مَالُهُ وَيُبَاعُ عَلَيْهِ الْحَيَوَانُ كُلُّهُ إلَّا مَا لاَ يُوجَدُ السَّبِيلُ إلَى بَيْعِهِ مِنْ أُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ أَوْ مُكَاتَبِيهِ أَوْ مُرْضِعٍ لِوَلَدِهِ أَوْ خَادِمٍ يَخْدُمُ زَوْجَةً لَهُ وَيُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَصِغَارِ وَلَدِهِ وَزَمْنَاهُمْ وَمَنْ كَانَ هُوَ مَجْبُورًا عَلَى نَفَقَتِهِمْ مِنْ خِدْمَةٍ وَأُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ مِنْ مَالِهِ وَيُؤْخَذُ كِتَابَةُ مُكَاتَبِيهِ وَيَعْتِقُونَ إذَا أَدَّوْا وَلَهُ وَلاَؤُهُمْ وَمَتَى رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ رَدَّ مَالَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرُدَّ مَا بِيعَ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَالْبَيْعُ نَظَرٌ لِمَنْ يَصِيرُ إلَيْهِ الْمَالُ وَفِي حَالٍ لاَ سَبِيلَ لَهُ فِيهَا عَلَى الْمَالِ وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّةُ امْرَأَتِهِ قُطِعَتْ عَنْهَا النَّفَقَةُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ إذَا رَجَعَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَلَوْ بُرْسِمَ أَوْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ بَعْدَ الرِّدَّةِ تُرُبِّصَ بِهِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً فَإِنْ أَفَاقَ وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْهِ كَمَا يُبَاعُ عَلَى الْغَائِبِ الْهَارِبِ وَمَا كُسِبَ فِي رِدَّتِهِ فَهُوَ كَمَا مُلِكَ قَبْلَ الرِّدَّةِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ فَإِذَا رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ كُلُّهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلاَمِ خُمِّسَ مَالُهُ فَكَانَ الْخُمُسُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَالْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ وَهَكَذَا نَصْرَانِيٌّ مَاتَ لاَ وَارِثَ لَهُ يُخَمَّسُ مَالُهُ فَيَكُونُ الْخُمُسُ لِأَهْلِهِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ‏,‏ وَلَوْ قَالَ وَرَثَةُ الْمُرْتَدِّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ كُلِّفُوا الْبَيِّنَةَ فَإِذَا جَاءُوا بِهَا دُفِعَ إلَيْهِمْ مَالُهُ عَلَى مَوَارِيثِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بِهَا فَهُوَ عَلَى الرِّدَّةِ حَتَّى تُعْلَمَ تَوْبَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ مِمَّنْ يَرِثُهُ لَمْ تُقْبَلْ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ فَقَالَ مَتَى مِتُّ فَلِفُلاَنٍ وَفُلاَنٍ كَذَا‏,‏ ثُمَّ مَاتَ فَشَهِدَ الْمُوصَى لَهُمَا بِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ لَمْ يُقْبَلاَ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا جَوَازَ الْوَصِيَّةِ الَّتِي قَدْ أُبْطِلَتْ بِرِدَّتِهِ‏.‏ وَلَوْ كَانَ تَابَ ثُمَّ مَاتَ فَقِيلَ ارْتَدَّ ثُمَّ مَاتَ مُرْتَدًّا فَهُوَ عَلَى التَّوْبَةِ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ ارْتَدَّ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِأَنَّ مَنْ عُرِفَ بِشَيْءٍ فَهُوَ عَلَيْهِ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلاَفِهِ‏.‏ وَلَوْ قَسَمَ الْحَاكِمُ مَالَهُ فِي الْحَالَيْنِ حِينَ مَاتَ وَقَدْ عُرِفَتْ رِدَّتُهُ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى تَوْبَتِهِ رَجَعَ بِهَا الْحَاكِمُ عَلَى مَنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ حَيْثُ كَانُوا حَتَّى يَرُدَّهَا إلَى وَرَثَتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَسَمَهَا فِي مَوْتِهِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى رِدَّتِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَمَوْتِهِ مُرْتَدًّا رَجَعَ الْحَاكِمُ عَلَى وَرَثَتِهِ حَيْثُ كَانُوا وَأَهْلِ وَصَايَاهُ وَأَخَذَ مِنْهُمْ مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ مَالِهِ حَتَّى يَصِيرَ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَالْمُسْلِمِينَ‏.‏

الْمُكْرَهُ عَلَى الرِّدَّةِ

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَأَكْرَهَهُ عَلَى الْكُفْرِ لَمْ تَبِنْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ‏,‏ قَدْ أُكْرِهَ بَعْضُ مَنْ أَسْلَمَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُفْرِ فَقَالَهُ ثُمَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ مَا عُذِّبَ بِهِ فَنَزَلَ فِيهِ هَذَا وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاجْتِنَابِ زَوْجَتِهِ وَلاَ بِشَيْءٍ مِمَّا عَلَى الْمُرْتَدِّ وَلَوْ مَاتَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْكُفْرِ وَلَمْ تَظْهَرْ لَهُ تَوْبَةٌ بِبِلاَدِ الْحَرْبِ وَرِثَهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ‏,‏ وَلَوْ انْفَلَتَ فَرَجَعَ إلَى بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ قِيلَ لَهُ أَظْهِرْ الْإِسْلاَمَ فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا كَانَ مُرْتَدًّا بِامْتِنَاعِهِ مِنْ إظْهَارِ الْإِسْلاَمِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَإِذَا أُسِرَ الرَّجُلُ أَوْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا بِبِلاَدِ الْعَدُوِّ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَلَمْ يَشْهَدَا عَلَى نَفْسِ الرِّدَّةِ وَلاَ عَلَى كَلاَمٍ كُفْرٍ بَيِّنٍ ثُمَّ مَاتَ وَرِثَ مَالَهُ وَرَثَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يُقِرُّوا بِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ فَيَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا فَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ بِرِدَّتِهِ وَلَمْ يُقِرَّ بِهَا بَعْضُهُمْ وَرِثَ الَّذِينَ لَمْ يُقِرُّوا نَصِيبَهُمْ مِنْ مِيرَاثِهِ وَيُوقَفُ نَصِيبُ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِرِدَّتِهِ حَتَّى تُسْتَبَانَ رِدَّتُهُ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَغْنَمُ لِأَنَّهُمْ يُصَدَّقُونَ عَلَى مَا يَمْلِكُونَ وَلاَ يُوقَفُ‏,‏ وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ يَرْتَدُّ وَقَالاَ ارْتَدَّ مُكْرَهًا أَوْ ارْتَدَّ مَحْدُودًا أَوْ ارْتَدَّ مَحْبُوسًا لَمْ يُغْنَمْ مَالُهُ وَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ قَالاَ كَانَ مَحَلِّيًّا آمِنًا حِينَ ارْتَدَّ كَانَتْ تِلْكَ رِدَّةٌ وَغُنِمَ مَالُهُ وَلَوْ ادَّعَى وَرَثَتُهُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ أَقَامُوا بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوْهُ فِي مُدَّةٍ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِالرِّدَّةِ يُصَلِّي صَلاَةَ الْمُسْلِمِينَ قَبِلْت ذَلِكَ مِنْهُمْ وَوَرَّثْتهمْ مَالَهُ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ فِي حَالِ ضَرُورَةٍ لَمْ أَقْبَلْ هَذَا مِنْهُمْ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِالتَّوْبَةِ بَعْدَ الرِّدَّةِ وَلَمْ أَقْبَلْ مِنْ وَرَثَتِهِ أَنَّهُ ارْتَدَّ مَسْجُونًا وَلاَ مَحْدُودًا إذَا لَمْ تَقْطَعْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ سُجِنَ وَحُدَّ لِيَرْتَدَّ‏.‏

مَا أَحْدَثَ الْمُرْتَدُّ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فِي مَالِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَلَمْ يُوقَفُ مَالُهُ فَمَا صَنَعَ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ لَهُ فِي مَالِهِ مَا صَنَعَ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَإِذَا وُقِفَ فَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَى إتْلاَفِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ بِعِوَضٍ وَلاَ غَيْرِهِ مَا كَانَ مَوْقُوفًا فَإِنْ أَعْتَقَ أَوْ كَاتَبَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ فَذَلِكَ كُلُّهُ مَوْقُوفٌ لاَ يَنْفُذُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ لَزِمَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ إلَّا الْبَيْعَ فَإِذَا فُسِخَ بَيْعُهُ فَقَدْ انْفَسَخَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحَوَّلاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ فِي الْحَالِ الَّذِي أَحْدَثَ ذَلِكَ فِيهِ حَوْلَ الْحَجْرِ إنَّمَا كَانَ مَوْقُوفًا عَنْهُ لِيُقْتَلَ فَيَعْلَمَ أَنَّ مِلْكَهُ كَانَ زَائِلاً عَنْهُ بِالرِّدَّةِ إنْ لَمْ يَتُبْ حَتَّى يَمُوتَ فَيَصِيرَ فَيْئًا أَوْ يُسْلِمَ فَيَكُونَ عَلَى مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ أَوَّلاً فَلَمَّا أَسْلَمَ عَلِمْنَا أَنَّ فِعْلَهُ فِيمَا يَمْلِكُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَ فِي رِدَّتِهِ فِي يَدَيْهِ شَيْءٌ يَدَّعِي أَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِذَلِكَ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ لِغَيْرِهِ كَانَ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ مِنْهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الدَّيْنِ لِأَجْنَبِيٍّ وَكَذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ مَا لَزِمَ الرَّجُلَ غَيْرَ الْمُرْتَدِّ فِي مَالِهِ وَلَوْ قَالَ فِي عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ هَذَا عَبْدٌ اشْتَرَيْته أَوْ وُهِبَ لِي وَهُوَ حُرٌّ كَانَ حُرًّا وَلَمْ يُنْتَظَرْ إسْلاَمُهُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ إنَّمَا أَرُدُّ مَا أَحْدَثَ إتْلاَفَهُ بِلاَ سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ يُقَرِّبُهُ احْتِيَاطًا عَلَيْهِ لاَ حَجْرًا عَنْهُ ‏(‏وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ‏)‏ أَنَّهُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْمَحْجُورِ فِي جَمِيعِ حَالاَتِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلاَمِ فَيُفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ‏.‏

جِنَايَةُ الْمُرْتَدِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَإِذَا جَنَى الْمُرْتَدُّ فِي حَالِ رِدَّتِهِ عَلَى آدَمِيٍّ جِنَايَةً عَمْدًا فِي مِثْلِهَا قِصَاصٌ فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ أَوْ يَأْخُذَ قَدْرَ الْجِنَايَةِ مِنْ مَالِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَمَا اكْتَسَبَ بَعْدَهَا وَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ عَمْدًا لاَ قِصَاصَ فِيهَا وَكَذَلِكَ مَا أَحْرَقَ وَأَفْسَدَ لِآدَمِيٍّ كَانَ فِي مَالِهِ لاَ تُسْقِطُهُ عَنْهُ الرِّدَّةُ

‏(‏قَالَ‏)‏ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَهِيَ فِي مَالِهِ كَمَا تَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إلَى أَجَلِهَا فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حَالَّةٌ وَلاَ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَنْهُ شَيْئًا جَنَاهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ نَفْسًا فَهِيَ فِي مَالِهِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ فَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ فَهِيَ حَالَّةٌ‏.‏ وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ وَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ فَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا فَهِيَ كَجِنَايَتِهِ وَهُوَ مُرْتَدٌّ وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَزِمَتْهُمْ إذْ جَنَى وَهُوَ مُسْلِمٌ‏.‏ وَلَوْ ارْتَدَّ وَقَتَلَ فَأَرَادَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْقَتْلَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَإِذَا قَتَلَهُ وَهُوَ عَلَى الرِّدَّةِ فَمَالُهُ لِمَنْ وَصَفْته مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ أَوْ جَرَحَ أَقْصَصْنَا مِنْهُ ثُمَّ قَتَلْنَاهُ عَلَى الرِّدَّةِ فَإِنْ عَجَّلَ الْإِمَامُ فَقَتَلَهُ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ مَاتَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْقِصَاصِ فَلِوَلِيِّ الدَّمِ وَالْجَرْحِ عَمْدًا عَقْلُ النَّفْسِ وَالْجِرَاحُ فِي مَالِ الْجَانِي الْمُرْتَدِّ‏,‏ وَلَوْ كَانَ الْجَانِي الْمُرْتَدُّ عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَجَنَى عَلَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ الْقَوَدُ كَانَ لِوَلِيِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْخِيَارُ فِي الْقَوَدِ أَوْ أَخْذِ الْعَقْلِ فَإِنْ أَرَادَ الْقَوَدَ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ أَرَادَ الْعَقْلَ فَهُوَ لَهُ فِي رَقَبَةِ الْجَانِي إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ سَيِّدُهُ فَإِنْ فَدَاهُ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَفْدِهِ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ فَيُبَاعَ وَيُعْطَى وَلِيُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قِيمَةُ جِنَايَتِهِ وَيُرَدُّ الْفَضْلُ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ الْجِنَايَةِ عَلَى سَيِّدِهِ وَلَوْ جَنَى وَهُوَ مُرْتَدٌّ عَبْدٌ ثُمَّ عَتِهَ فَاخْتَارَ وَلِيُّ الدَّمِ الْعَقْلَ وَلَمْ يَتَطَوَّعْ مَوْلاَهُ بِأَنْ يَفْدِيَهُ بِيعَ مُرْتَدًّا مَعْتُوهًا فَأُعْطِيَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ قِيمَةَ جِنَايَتِهِ وَرُدَّ فَضْلٌ إنْ كَانَ فِي ثَمَنِهِ عَلَى سَيِّدِهِ فَإِذَا أَفَاقَ وَلَمْ يَتُبْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ وَلاَ يُبَاعُ إلَّا بِالْبَرَاءِ مِنْ الرِّدَّةِ وَالْعَتَهِ وَمَا أَحْدَثَ الْعَبْدُ مِنْ الْجِنَايَةِ فِي الرِّدَّةِ مُخَالَفَةً مَا أَحْدَثَ مِنْ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ أَنَّ الْجِنَايَةَ لاَ تَسْقُطُ عَنْ صَبِيٍّ وَلاَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَلاَ عَبْدٍ لِأَنَّهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَالدَّيْنُ يَسْقُطُ عَنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَعَنْ الْعَبِيدِ مَا كَانُوا فِي الرِّقِّ لِأَنَّهُ بِإِذْنِ رَبِّ الدَّيْنِ‏.‏

الْجِنَايَةُ عَلَى الْمُرْتَدِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَجَنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ جِنَايَةً فَإِنْ كَانَتْ قَتْلاً فَلاَ عَقْلَ وَلاَ قَوَدَ وَيُعَزَّرُ لِأَنَّ الْحَاكِمَ الْوَالِيَ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ قَتْلُهُ حَتَّى يُسْتَتَابَ وَإِنْ كَانَتْ دُونَ النَّفْسِ فَكَذَلِكَ‏.‏ وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجِنَايَةِ فَالْجِنَايَةُ هَدَرٌ لِأَنَّهَا كَانَتْ غَيْرَ مَمْنُوعَةٍ بِأَنْ يُحْكَمَ فِيهَا بِعَقْلٍ أَوْ قَوَدٍ وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ مُرْتَدًّا فَقَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ تَابَ ثُمَّ قَطَعَ رِجْلَهُ كَانَ لَهُ الْقَوَدُ فِي الرَّجُلِ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَيْهِ مُسْلِمًا وَلَوْ مَاتَ كَانَتْ لَهُمْ نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَتَيْنِ جِنَايَةٌ مَمْنُوعَةٌ وَجِنَايَةٌ غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ‏.‏

الدَّيْنُ عَلَى الْمُرْتَدِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمُرْتَدِّ دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ قَبْلَ الرِّدَّةِ ثُمَّ ارْتَدَّ قُضِيَ عَنْهُ دَيْنُهُ إنْ كَانَ حَالًّا وَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ إلَى أَجَلِهِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ فَيَحِلَّ بِمَوْتِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ لِأَحَدٍ

‏(‏قَالَ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الدَّيْنُ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ وَلاَ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ مُتَقَدِّمٌ لِلرِّدَّةِ وَلَمْ يُعْرَفْ إلَّا بِإِقْرَارٍ مِنْهُ فِي الرِّدَّةِ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ عَلَيْهِ وَمَا دَانَ فِي الرِّدَّةِ قَبْلَ وَقْفِ مَالِهِ لَزِمَهُ وَمَا دَانَ بَعْدَ وَقْفِ مَالِهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ بَيْعٍ رُدَّ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ مِنْ سَلَفٍ وُقِفَ فَإِنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ بَطَلَ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ لَزِمَهُ لِأَنَّا نَعْلَمُ بِرُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلاَمِ أَنَّ مَالَهُ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ

‏(‏قَالَ الرَّبِيعُ‏)‏ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ أَنَّهُ يَدْرَأُ عَنْهُ الْقَوَدَ بِالشُّبْهَةِ وَيَغْرَمُ الدِّيَةَ وَلَهُ أَيْضًا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَقَّ قَتْلُهُ كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ فَقَطَعْنَا يَدَهُ قِصَاصًا ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْقِصَاصِ لَمْ يَكُنْ عَلَى آخِذِ الْقِصَاصِ شَيْءٌ وَالْحَقُّ قَتْلُهُ وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ إذَا جَرَحَهُ مُرْتَدٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ فَلاَ شَيْءَ عَلَى مَنْ جَرَحَهُ لِأَنَّ الْجُرْحَ مِنْهُ كَانَ مُبَاحًا فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ فَالْحَقُّ قَتْلُهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَى مَنْ جَرَحَ‏.‏

الدَّيْنُ لِلْمُرْتَدِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَ لِلْمُرْتَدِّ دَيْنٌ حَالٌّ أُخِذَ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَيُوقَفُ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ إلَى أَجَلِهِ فَإِذَا حَلَّ وُقِفَ إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُرْتَدُّ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَيَكُونَ الدَّيْنُ إلَى أَجَلِهِ فَإِذَا قُبِضَ كَانَ فَيْئًا

‏(‏قَالَ الرَّبِيعُ‏)‏ فِي رَجُلٍ جُرِحَ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ لاَ شَيْءَ عَلَى مَنْ جَرَحَهُ وَإِنْ أَسْلَمَ فَمَاتَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الضَّرْبَةَ كَانَتْ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فِيهَا فَالْحَقُّ الَّذِي قَتَلَهُ وَلاَ شَيْءَ عَلَى مَنْ جَرَحَهُ‏.‏

ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ لاَ تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ إلَى أَيِّ دِينٍ مَا ارْتَدَّ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَخَّصَ فِي ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يُقِرُّونَ عَلَى أَدْيَانِهِمْ

‏(‏قَالَ‏)‏ فَلَوْ عَدَا عَلَى شَاةٍ رَجُلٌ فَذَبَحَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا حَيَّةً‏,‏ وَهَكَذَا كُلُّ مَا اُسْتُهْلِكَ‏,‏ وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَذْبَحَهَا لَهُ وَهُوَ يَعْلَمُهُ مُرْتَدًّا أَوْ لاَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ وَلاَ يَأْكُلُهَا صَاحِبُ الشَّاةِ

‏(‏قَالَ‏)‏ وَلَوْ ذَبَحَ لِنَفْسِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَ مَتَاعًا لِنَفْسِهِ أَوْ قَتَلَ عَبْدًا لِنَفْسِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ إنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ فَكُلُّ مَالٍ وَجَدْنَاهُ لَهُ فَهُوَ فَيْءٌ‏,‏ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ عَلِمْنَا بِرُجُوعِهِ أَنَّهُ إنَّمَا جَنَى عَلَى مَالِهِ وَلاَ يَضْمَنُ لِنَفْسِهِ مَالَ نَفْسِهِ‏.‏

نِكَاحُ الْمُرْتَدِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ لِلْمُرْتَدِّ أَنْ يَنْكِحَ قَبْلَ الْحَجْرِ وَلاَ بَعْدَهُ مُسْلِمَةً لِأَنَّهُ مُشْرِكٌ وَلاَ وَثَنِيَّةً لِأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُ إلَّا مَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ وَلاَ كِتَابِيَّةً لِأَنَّهُ لاَ يُقِرُّ عَلَى دِينِهِ فَإِنْ نَكَحَ فَأَصَابَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلاَ يَكُونُ لِلْمُرْتَدِّ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ وَلاَ أَمَتَهُ وَلاَ امْرَأَةً هُوَ وَلِيُّهَا مُسْلِمَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَلاَ مُسْلِمًا وَلاَ مُشْرِكًا وَإِذَا أَنْكَحَ فَإِنْكَاحُهُ بَاطِلٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ‏.‏

الْخِلاَفُ فِي الْمُرْتَدِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ فَخَالَفَنَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا فِي الْمُرْتَدِّ بِوَجْهَيْنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ قَائِلاً مِنْهُمْ قَالَ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلاَمِ فَارْتَدَّ قَتَلْته إلَى أَيِّ دِينٍ ارْتَدَّ وَقَتَلْته وَإِنْ تَابَ‏.‏ وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ‏:‏ مَنْ رَجَعَ إلَى دِينٍ يُظْهِرُهُ كَالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة اسْتَتَبْته فَإِنْ تَابَ قَبِلْت مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قَتَلْته‏,‏ وَإِنْ رَجَعَ إلَى دِينٍ يَسْتَخْفِي بِهِ كَالزَّنْدَقَةِ وَمَا يَسْتَخْفِي بِهِ قَتَلْته وَإِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ لَمْ أَقْبَلْهَا وَأَحْسِبُهُ سَوَّى بَيْنَ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلاَمِ وَمَنْ لَمْ يُولَدْ عَلَيْهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَوَافَقَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ الْمَدَنِيِّينَ وَالْمَكِّيِّينَ وَالْمَشْرِقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنْ لاَ يُقْتَلَ مَنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ وَفِي أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلاَمِ وَمَنْ لَمْ يُولَدْ عَلَيْهِ وَدَانَ دِينًا يُظْهِرُهُ أَوْ دِينًا يَسْتَخْفِي بِهِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ كُفْرٌ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْحُجَّةُ عَلَى مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلاَمِ وَمَنْ لَمْ يُولَدْ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ حُدُودَهُ فَلَمْ نَعْلَمْ كِتَابًا نَزَلَ وَلاَ سُنَّةً مَضَتْ وَلاَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَالَفَ فِي الْحُدُودِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وُلِدَ عَلَى الْكُفْرِ فَأَحْدَثَ إسْلاَمًا أَوْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلاَمِ وَالْقَتْلُ عَلَى الرِّدَّةِ حَدٌّ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَطِّلَهُ وَلاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ إلَّا مَنْ فُرِضَتْ طَاعَتُهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْحُدُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ تَكَلُّفُ الْحُجَّةِ عَلَى قَائِلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَعَلَى مَنْ قَالَ أَقْبَلُ إظْهَارَ التَّوْبَةِ إذَا كَانَ رَجَعَ إلَى دِينٍ يُظْهِرُهُ وَلاَ أَقْبَلُ ذَلِكَ إذَا رَجَعَ إلَى دِينٍ لاَ يُظْهِرُهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْلاَ غَفْلَةٌ فِي بَعْضِ السَّامِعِينَ الَّذِينَ لَعَلَّ مَنْ نَوَى الْأَجْرَ فِي تَبْيِينِهِمْ أَنْ يُؤْجَرَ مَا تَكَلَّفْت لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكْتَفِي فِي هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِأَنْ يُحْكَيَا فَيُعْلَمَ أَنْ لَيْسَ فِيهِمَا مَذْهَبٌ يَجُوزُ أَنْ يُغَلِّطَ بِهِ عَالِمٌ بِحَالٍ وَأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ سُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْمَعْقُولَ وَالْقِيَاسَ يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ مَا قَالَ مَنْ قَالَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ وَمَنْ أَوْجَزَ مَا بَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى غَيْرِ مَا قِيلَ أَنْ يُقَالَ قَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ‏}‏ فَهَلْ يُعَدُّ وَهَذَا الْقَوْلُ أَبَدًا وَاحِدًا مِنْ مَعْنَيَيْنِ‏؟‏ أَنْ يَكُونَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ وَأَقَامَ عَلَى تَبْدِيلِهِ ضَرَبْت عُنُقَهُ كَمَا تُضْرَبُ عِنَاقُ أَهْلِ الْحَرْبِ‏.‏ أَوْ تَكُونَ كَلِمَةُ التَّبْدِيلِ تُوجِبُ الْقَتْلَ وَإِنْ تَابَ كَمَا يُوجِبُهُ الزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ وَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ النَّفْسِ فَلَيْسَ قَوْلُك وَاحِدًا مِنْهُمَا وَأَنْ يُقَالَ لَهُ لِمَ قَبِلْت إظْهَارَ التَّوْبَةِ مِنْ الَّذِي رَجَعَ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ وَدِينٍ أَظْهَرَهُ‏؟‏ أَلِأَنَّك عَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ فَقَدْ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ أَوْ قَدْ يَكُونُ يُظْهِرُهَا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْكُفْرِ وَدِينُ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ مُنْتَقِلٌ عَنْهُ إلَى دِينٍ يُخْفِيه‏؟‏ وَلَمْ أُبَيِّتْ قَبُولَ مَنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ وَقَدْ كَانَ مُسْتَخْفِيًا بِالشِّرْكِ‏؟‏ أَعَلَى عِلْمٍ أَنْتَ مِنْ أَنَّ هَذَا لاَ يَتُوبُ تَوْبَةً صَحِيحَةً أَمْ قَدْ يَتُوبُ تَوْبَةً صَحِيحَةً‏؟‏ فَلاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ عِلْمَ هَذَا لِأَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ حَقِيقَةَ عِلْمِ هَذَا أَحَدٌ مِنْ الْآدَمِيِّينَ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا تَوَلَّى اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ عِلْمَ الْغَيْبِ‏,‏ أَوْ رَأَيْت لَوْ قَالَ رَجُلٌ مَنْ اُسْتُسِرَّ بِالْكُفْرِ قَبِلْت تَوْبَتَهُ لِضَعْفِهِ فِي اسْتِسْرَارِهِ وَمَنْ أَعْلَنَهُ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ لِمَا انْكَشَفَ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ بِاَللَّهِ وَإِنَّ الْمُنْكَشِفَ بِالْمَعْصِيَةِ أَوْلَى أَنْ تَنْفِرَ الْقُلُوبُ مِنْهُ وَيَكَادُ أَنْ يُؤْيَسَ مِنْ صِحَّةِ تَوْبَتِهِ لِأَنَّا رَأَيْنَا مَنْ انْكَشَفَ بِالْمَعَاصِي سِوَى الشِّرْكِ كَانَ أَحْرَى أَنْ لاَ يَتُوبَ مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ‏؟‏ هَلْ هِيَ إلَّا أَنَّ هَذَا مِمَّا لاَ يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا قَبُولُ ظَاهِرِ الْآدَمِيِّينَ وَأَنَّهُ تَوَلَّى سَرَائِرَهُمْ وَلَمْ يَجْعَلْ لِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَلاَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا عَلَى الظَّاهِرِ وَتَوَلَّى دُونَهُمْ السَّرَائِرَ لِانْفِرَادِهِ بِعِلْمِهَا وَهَكَذَا الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ‏.‏ وَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْأَعْرَابِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏قَالَتْ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ‏}‏ فَأَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ وَأَنَّهُمْ أَظْهَرُوهُ وَحَقَنَ بِهِ دِمَاءَهُمْ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ ‏"‏ أَسْلَمْنَا ‏"‏‏,‏ قَالَ أَسْلَمْنَا مَخَافَةَ الْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ فِي عَدَدِ آيٍ مِنْ كِتَابِهِ بِإِظْهَارِ الْإِيمَانِ وَالِاسْتِسْرَارِ بِالشِّرْكِ وَأَخْبَرَنَا بِأَنْ قَدْ جَزَاهُمْ بِعِلْمِهِ عَنْهُمْ بِالدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا‏}‏ فَأَعْلَمَ أَنَّ حُكْمَهُمْ فِي الْآخِرَةِ النَّارُ بِعِلْمِهِ أَسْرَارَهُمْ وَأَنَّ حُكْمَهُ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا إنْ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ جُنَّةٌ لَهُمْ‏,‏ وَأَخْبَرَ عَنْ طَائِفَةٍ غَيْرِهِمْ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَّا غُرُورًا‏}‏ وَهَذِهِ حِكَايَةٌ عَنْهُمْ وَعَنْ الطَّائِفَةِ مَعَهُمْ مَعَ مَا حَكَى مِنْ كُفْرِ الْمُنَافِقِينَ مُنْفَرِدًا وَحَكَى مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَ مَنْ حَكَى مِنْ الْأَعْرَابِ وَكُلَّ مَنْ حَقَنَ دَمَهُ فِي الدُّنْيَا بِمَا أَظْهَرَ مِمَّا يَعْلَمُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خِلاَفَهُ مِنْ شِرْكِهِمْ لِأَنَّهُ أَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ الْحُكْمَ عَلَى السَّرَائِرِ غَيْرَهُ وَأَنْ قَدْ وَلَّى نَبِيَّهُ الْحُكْمَ عَلَى الظَّاهِرِ وَعَاشَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَلَمْ يَحْبِسْهُ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ سَهْمَهُ فِي الْإِسْلاَمِ إذَا حَضَرَ الْقِتَالَ وَلاَ مُنَاكَحَةَ الْمُؤْمِنِينَ وَمُوَارَثَتَهُمْ وَالصَّلاَةَ عَلَى مَوْتَاهُمْ وَجَمِيعَ حُكْمِ الْإِسْلاَمِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْأَعْرَابُ لاَ يَدِينُونَ دِينًا يُظْهَرُ بَلْ يُظْهِرُونَ الْإِسْلاَمَ وَيَسْتَخْفُونَ بِالشِّرْكِ وَالتَّعْطِيلِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ‏}‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلَعَلَّ مَنْ سَمَّيْت لَمْ يُظْهِرْ شِرْكًا سَمِعَهُ مِنْهُ آدَمِيٌّ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ أَسْرَارَهُمْ فَقَدْ سُمِعَ مِنْ عَدَدٍ مِنْهُمْ الشِّرْكُ وَشَهِدَ بِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْهُمْ مَنْ جَحَدَهُ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَظْهَرَ وَلَمْ يَقِفْهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ أَقَرَّ وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ بِمَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ وَقَالَ تُبْت إلَى اللَّهِ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَظْهَرَ‏.‏ وَمِنْهُمْ مَنْ عَرَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ‏(‏أَخْبَرَنَا‏)‏ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَقَالَ شَهِدْت مِنْ نِفَاقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ثَلاَثَةَ مَجَالِسَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَهُمْ كَافِرُونَ‏}‏ قِيلَ فَهَذَا يُبَيِّنُ مَا قُلْنَا وَخِلاَفَ مَا قَالَ مَنْ خَالَفَنَا‏,‏ فَأَمَّا أَمْرُهُ أَنْ لاَ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ صَلاَتَهُ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مُخَالِفَةٌ صَلاَةَ غَيْرِهِ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَضَى إذْ أَمَرَهُ بِتَرْكِ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ أَنْ لاَ يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدٍ إلَّا غُفِرَ لَهُ وَقَضَى أَنْ لاَ يَغْفِرَ لِلْمُقِيمِ عَلَى شَرٍّ فَنَهَاهُ عَنْ الصَّلاَةِ عَلَى مَنْ لاَ يُغْفَرُ لَهُ‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا‏؟‏ قِيلَ لَمْ يَمْنَعْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّلاَةِ عَلَيْهِمْ مُسْلِمًا وَلَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ بَعْدَ هَذَا أَحَدًا وَتَرْكُ الصَّلاَةِ مُبَاحٌ عَلَى مَنْ قَامَتْ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا كَانَ جَائِزًا أَنْ يَتْرُكَ الصَّلاَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا قَامَ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِ الصَّلاَةِ مَعْنًى يُغَيِّرُ ظَاهِرَ حُكْمِ الْإِسْلاَمِ فِي الدُّنْيَا‏.‏ وَقَدْ عَاشَرَهُمْ حُذَيْفَةُ فَعَرَفَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ ثُمَّ عَاشَرَهُمْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما وَهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه إذَا وُضِعَتْ جِنَازَةٌ فَرَأَى حُذَيْفَةَ فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ أَنْ اجْلِسْ جَلَسَ وَإِنْ قَامَ مَعَهُ صَلَّى عَلَيْهَا عُمَرُ وَلاَ يَمْنَعُ هُوَ وَلاَ أَبُو بَكْرٍ قَبْلَهُ وَلاَ عُثْمَانُ بَعْدَهُ الْمُسْلِمِينَ الصَّلاَةَ عَلَيْهِمْ وَلاَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلاَمِ وَيَدَعُهَا مَنْ تَرَكَهَا بِمَعْنَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهَا إذَا أُبِيحَ تَرْكُهَا مِنْ مُسْلِمٍ لاَ يُعْرَفُ إلَّا بِالْإِسْلاَمِ كَانَ أَجْوَزَ تَرْكُهَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ‏.‏ فَإِنْ قَالَ فَلَعَلَّ هَذَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً‏.‏ قِيلَ فَلِمَ لَمْ يَقْتُلْ أَبُو بَكْرٍ وَلاَ عُمَرُ وَلاَ عُثْمَانُ وَلاَ عَلِيٌّ رضي الله عنهم وَلاَ غَيْرُهُمْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَلَمْ يَمْنَعْهُ حُكْمَ الْإِسْلاَمِ وَقَدْ أَعْلَمَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تُوُفِّيَ اشْرَأَبَّ النِّفَاقُ بِالْمَدِينَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُقَالُ لِأَحَدٍ إنْ قَالَ هَذَا مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ دَهْرِهِ لِلَّهِ حَدًّا بَلْ كَانَ أَقْوَمَ النَّاسِ بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ حُدُودِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ فِي امْرَأَةٍ سَرَقَتْ فَشُفِعَ لَهَا‏:‏ ‏{‏إنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الْوَضِيعُ قَطَعُوهُ‏}‏ وَقَدْ آمَنَ بَعْضُ النَّاسِ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ فَلَمْ يَقْتُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَتَلَ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ مَنْ لَمْ يُظْهِرْ الْإِيمَانَ‏.‏ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ‏}‏ فَأَعْلَمَ أَنَّ حُكْمَهُمْ فِي الظَّاهِرِ أَنْ تُمْنَعَ دِمَاؤُهُمْ بِإِظْهَارِ الْإِيمَانِ وَحِسَابُهُمْ فِي الْمَغِيبِ عَلَى اللَّهِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَوَلَّى مِنْكُمْ السَّرَائِرَ وَدَرَأَ عَنْكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَتُوبُوا إلَى اللَّهِ وَاسْتَتِرُوا بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏}‏ وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذَنَّهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ‏}‏ فَأَعْلَمَ أَنَّ حُكْمَهُ كُلَّهُ عَلَى الظَّاهِرِ وَأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَحُكْمُ اللَّهِ عَلَى الْبَاطِنِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَوَلَّى الْبَاطِنَ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَجُلٍ أَظْهَرَ الْإِسْلاَمَ كَانَ يَعْرِفُ مِنْهُ خِلاَفَهُ إنِّي لاََحْسَبُك مُتَعَوِّذًا فَقَالَ أَمَا فِي الْإِسْلاَمِ مَا أَعَاذَنِي‏؟‏ فَقَالَ أَجَلْ إنَّ فِي الْإِسْلاَمِ مَا أَعَاذَ مَنْ اسْتَعَاذَ بِهِ قَالَ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ شَيْئًا مِمَّا وَصَفْنَا إلَّا أَنَّهُ وَافَقَنَا عَلَى قَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَأَنْ يُجْعَلَ مَالُهُ فَيْئًا فَكَانَ حُكْمُهُ عِنْدَهُ حُكْمَ الْمُحَارِبِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ أَصْلُ قَوْلِهِ فِي الْمُحَارَبِ أَنَّهُ إذَا أَظْهَرَ الْإِيمَانَ فِي أَيِّ حَالٍ مَا كَانَ إسَارٍ أَوْ تَحْتَ سَيْفٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ عَلَى أَيِّ دِينٍ كَانَ حَقَنَ دَمَهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْ أَنْ يُقْتَلَ مَنْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ بِأَيِّ حَالٍ كَانَ وَإِلَى أَيِّ دِينٍ كَانَ رَجَعَ

‏(‏قَالَ الرَّبِيعُ‏)‏ إذَا قَالَ بَعْضُ النَّاسِ فَهُمْ الْمَشْرِقِيُّونَ وَإِذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَوْ بَعْضُ أَهْلِ بَلَدِنَا فَهُوَ مَالِكٌ‏.‏

خِلاَفُ بَعْضِ النَّاسِ فِي الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي غَيْرِ مَا خَالَفَنَا فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ فَقَالَ إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ عَنْ الْإِسْلاَمِ حُبِسَتْ وَلَمْ تُقْتَلْ وَإِنْ ارْتَدَّتْ الْأَمَةُ تَخْدِمُ الْقَوْمَ دُفِعَتْ إلَيْهِمْ وَأُمِرُوا بِأَنْ يُجْبِرُوهَا عَلَى الْإِسْلاَمِ قَالَ وَكَانَتْ حُجَّتُهُ فِي أَنْ لاَ تُقْتَلَ الْمَرْأَةُ عَلَى الرِّدَّةِ شَيْئًا رَوَاهُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما فِي الْمَرْأَةِ تَرْتَدُّ عَنْ الْإِسْلاَمِ تُحْبَسُ وَلاَ تُقْتَلُ وَكَلَّمَنِي بَعْضُ مَنْ يَذْهَبُ هَذَا الْمَذْهَبَ وَبِحَضْرَتِنَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فَسَأَلْنَاهُمْ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَمَا عَلِمْت وَاحِدًا مِنْهُمْ سَكَتَ عَنْ أَنْ قَالَ هَذَا خَطَأٌ وَاَلَّذِي رَوَى هَذَا لَيْسَ مِمَّنْ يُثْبِتُ أَهْلُ الْعِلْمِ حَدِيثَهُ فَقُلْت لَهُ قَدْ سَمِعْت مَا قَالَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ لاَ شَكَّ فِي عِلْمِهِمْ بِحَدِيثِك وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَتَلَ نِسْوَةً ارْتَدَدْنَ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَكَيْف لَمْ تَصِرْ إلَيْهِ‏؟‏ قَالَ إنِّي إنَّمَا ذَهَبْت فِي تَرْكِ قَتْلِ النِّسَاءِ إلَى الْقِيَاسِ عَلَى السُّنَّةِ لِمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ كَانَ النِّسَاءُ مِمَّنْ ثَبَتَتْ لَهُ حُرْمَةُ الْإِسْلاَمِ أَوْلَى - عِنْدِي - أَنْ لاَ يُقْتَلْنَ‏.‏ وَقُلْت لَهُ أَوْ جَعَلْتهنَّ قِيَاسًا عَلَى أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الشِّرْكَ جَمَعَهُنَّ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا زَعَمْت عَنْ قَتْلِ الشَّيْخِ الْفَانِي وَالْأَجِيرِ مَعَ نَهْيِهِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ فَإِنْ قُلْت نَعَمْ قُلْت أَفَرَأَيْت شَيْخًا فَانِيًا وَأَجِيرًا ارْتَدَّا أَتَقْتُلُهُمَا أَمْ تَدَعْهُمَا لِعِلَّتِك بِالْقِيَاسِ عَلَى أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ‏؟‏ فَقَالَ بَلْ أَقْتُلُهُمَا قُلْت فَرَجُلٌ ارْتَدَّ فَتَرَهَّبَ قَالَ فَأَقْتُلُهُ قُلْت وَأَنْتَ لاَ تَقْتُلُ الرُّهْبَانَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ قَالَ لاَ قُلْت وَتَغْنَمُ مَالَ الشَّيْخِ وَالْأَجِيرِ وَالرَّاهِبِ وَلاَ تَغْنَمُ مَالَ الْمُرْتَدِّ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت لِمَ‏؟‏ أَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لاَ يُشْبِهُ أَهْلَ دَارِ الْحَرْبِ قَالَ مَا يُشْبِهُهُ قُلْت أَجَلْ وَلَئِنْ كُنْت عَلِمْت أَنَّهُ لاَ يُشْبِهُهُ فَأَرَدْت أَنْ تُشْبِهْ عَلَى أَهْلِ الْجَهَالَةِ لِيُشْرَعَ قَوْلُك فَإِذَا لَمْ أَقْتُلْ النِّسَاءَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ أَقْتُلُهُنَّ مِمَّنْ ثَبَتَتْ لَهُ حُرْمَةُ الْإِسْلاَمِ يُسْرِعُ هَذَا إلَى قُلُوبِهِمْ بِجَهْلِهِمْ وَالْغَبَاءِ الَّذِي فِيهِمْ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ فِي هَذَا الْقَوْلِ أَكْثَرُ مِنْ تَعَقُّلِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ قَرِيبَةٌ مِنْ الْمَأْثَمِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَئِنْ كَانَ هَذَا اجْتِهَادًا أَنَّ مَنْ نَسَبَك إلَى الْعِلْمِ بِالْقِيَاسِ لَجَاهِلٌ بِالْقِيَاسِ أَرَأَيْت إذَا كَانَ حُكْمُ الْمُرْتَدَّةِ عِنْدَك أَنْ لاَ تُقْتَلَ كَيْفَ حَبَسْتهَا وَأَنْتَ لاَ تَحْبِسُ الْحَرْبِيَّةَ إنَّمَا تَسْبِيهَا وَتَأْخُذُ مَالَهَا وَأَنْتَ لاَ تَسْتَأْمِنُ هَذِهِ وَلاَ تَأْخُذُ مَالَهَا‏.‏ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ الْحَبْسُ حَقًّا عَلَيْهَا كَيْفَ عَطَّلْت الْحَبْسَ عَنْ الْأَمَةِ الْمُرْتَدَّةِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا أَهْلُهَا‏؟‏ أَوْ رَأَيْت أَهْلَ الْأَمَةِ إذَا احْتَاجُوا إلَيْهَا وَقَدْ سَرَقَتْ أَتَقْطَعُهَا إذَا سَرَقَتْ وَتَقْتُلُهَا إذَا قَتَلَتْ وَلاَ تَدْفَعُهَا إلَيْهِمْ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا‏؟‏‏.‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت لِأَنَّ الْحَقَّ لاَ يُعَطَّلُ عَنْ الْأَمَةِ كَمَا لاَ يُعَطَّلُ عَنْ الْحُرَّةِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَكَيْفَ عَطَّلْت عَنْهَا الْحَبْسَ إنْ كَانَ حَقًّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏؟‏ أَوْ حَبَسْت الْحُرَّةَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْحَبْسُ حَقًّا‏؟‏ قَالَ وَقُلْت لَهُ هَلْ تَعْدُو الْحُرَّةُ أَنْ تَكُونَ فِي مَعْنَى مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ‏}‏ فَتَكُونُ مُبَدِّلَةً دِينَهَا فَتُقْتَلُ‏؟‏ أَوْ يَكُونُ هَذَا عَلَى الرَّجُلِ دُونَهَا فَمَنْ أَمَرَك بِحَبْسِهَا‏؟‏ وَهَلْ رَأَيْت حَبْسًا قَطُّ هَكَذَا‏؟‏ إنَّمَا الْحَبْسُ لِيَبِينَ لَك الْحَدُّ فَقَدْ بَانَ لَك كُفْرُهَا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا قَتْلٌ قَتَلَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْحَبْسُ لَهَا ظُلْمٌ قَالَ فَتَقُولُ مَاذَا‏؟‏‏.‏ قُلْت أَقُولُ إنَّ قَتْلَهَا نَصٌّ فِي سَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ‏}‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ كَانَتْ كَافِرَةً بَعْدَ إيمَانٍ فَحَلَّ دَمُهَا كَمَا إذَا كَانَتْ زَانِيَةً بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ قَاتِلَةَ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ قُتِلَتْ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهَا حَدٌّ وَيُعَطَّلَ الْآخَرُ وَأَقُولُ الْقِيَاسُ فِيهَا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا أَنْ تَقْتُلَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ فِي حَدٍّ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا‏}‏ وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ‏}‏‏.‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ فِي اللَّاتِي يَرْمِينَ الْمُحْصَنَاتِ يُجْلَدْنَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ يَرْمِي إذْ رَمَتْ فَكَيْفَ فَرَّقْت بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ فِي الْحَدِّ‏؟‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْنَا لَهُ النَّصُّ عَلَيْك وَالْقِيَاسُ عَلَيْك وَأَنْتَ تَدَّعِي الْقِيَاسَ حَيْثُ تُخَالِفُهُ فَقَالَ أَمَا إنَّ أَبَا يُوسُفَ قَدْ قَالَ قَوْلَكُمْ فَزَعَمَ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُقْتَلُ فَقُلْت أَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ مَا يَزِيدُ قَوْلُهُ قَوْلَنَا قُوَّةً وَلاَ خِلاَفُهُ وَهْنًا وَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَدْ خَالَفْتُمْ فِي الْمُرْتَدِّ أَيْضًا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قُلْت أَلَيْسَ الْأَحْيَاءُ مَالِكِينَ أَمْوَالَهُمْ‏؟‏ قَالَ بَلَى قُلْت وَإِنَّمَا نَقَلَ اللَّهُ مِلْكَ الْأَحْيَاءِ إلَى وَرَثَتِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لاَ يَمْلِكُ‏؟‏ قَالَ بَلَى قُلْت فَالْحَيُّ خِلاَفُ الْمَيِّتِ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَرَأَيْت الْمُرْتَدَّ مَعَنَا فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ أَسِيرًا أَوْ هَارِبًا أَوْ مَعْتُوهًا بَعْدَ الرِّدَّةِ أَلَيْسَ عَلَى مِلْكِ مَالِهِ لاَ يُورَثُ لِأَنَّهُ حَيٌّ وَلاَ يَحِلُّ دَيْنُهُ الْمُؤَجَّلُ‏؟‏ قَالَ بَلَى قُلْت أَفَرَأَيْت إذَا ارْتَدَّ بطرسس وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ نَرَاهُ فَتَرَهَّبَ أَوْ كَانَ يُقَاتِلُ وَنَحْنُ نَرَاهُ أَيُشَكُّ أَنَّهُ حَيٌّ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَحْيَاءَ مِنْ الْمَوْتَى قَالَ‏:‏ ‏{‏إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ‏.‏‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ‏}‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُورَثُ كَمَا يُورَثُ الْمَيِّتُ وَيَحِلُّ دَيْنُهُ الْمُؤَجَّلُ وَتُعْتَقُ أُمَّهَاتُ أَوْلاَدِهِ وَمُدَبَّرِيهِ فِي لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ حَيَاتِهِ أَيُشْكِلُ عَلَيْك أَنَّ هَذَا خِلاَفُ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ وَرَّثْت مِنْ حَيٍّ وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ الْمَوْتَى‏,‏ وَالْمَوْتَى خِلاَفُ الْأَحْيَاءِ وَفِي تَوْرِيثِك مِنْ حَيٍّ خِلاَفُ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدُّخُولُ فِيمَا عِبْت عَلَيَّ مِنْ سِجِلٍّ أَنَّك تَتَّبِعُ حُكْمَهُ‏؟‏ قَالَ وَمَنْ هُوَ‏؟‏ قُلْت عُمَرُ وَعُثْمَانُ قَضَيَا فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى ثُمَّ تُنْكَحُ وَالْمَفْقُودُ مَنْ لاَ يُسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ وَقَدْ يَكُونُ الْأَغْلَبُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ مَاتَ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا بِأَشْيَاءَ مِنْ عَجْزٍ عَنْ جِمَاعِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ نَفْيًا لِلضَّرَرِ وَفِي ذَهَابِهِ مَفْقُودًا ضَرَرٌ قَدْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ فَقُلْت لاَ يَجُوزُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهَا تُنْكَحُ بَعْدَ مُدَّةٍ وَإِنْ طَالَتْ حَتَّى تَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ مَوْتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا جَعَلَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ قُلْت بِرَأْيِك لاَ مُتَقَدِّمٌ لَك فِيهِ وَقَضَيْت قَوْلَك وَحْدَك تُورَثُ مِنْ الْحَيِّ فِي سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّمَا وَرَّثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْمَوْتَى فَلَوْ لَمْ تَرُدَّ عَلَيَّ هَذَا كُنْت لَمْ تَعِبْ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ شَيْئًا إلَّا دَخَلْت فِي أَعْظَمَ مِنْهُ وَأَوْلَى بِالْعَيْبِ وَقُلْت لَهُ أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي لاَ كِتَابَ فِيهِ وَلاَ سُنَّةَ لاَ يَجُوزُ إلَّا خَبَرًا لاَزِمًا أَوْ قِيَاسًا فَقَوْلُك فِي الْمَرْأَةِ لاَ تُقْتَلُ خَبَرٌ‏؟‏ قَالَ لاَ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ أَقْدَرِ عَلَى قَتْلِهِ وَلاَ اسْتِتَابَتِهِ‏.‏ قُلْت أَفَرَأَيْت إذَا هَرَبَ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ أَتَقْدِرُ فِي حَالِ هَرَبِهِ عَلَى قَتْلِهِ أَوْ اسْتِتَابَتِهِ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت وَكَذَلِكَ لَوْ عَتِهَ بَعْدَ الرِّدَّةِ أَوْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ بِمَعْنَى لَمْ تَكُنْ قَادِرًا عَلَى قَتْلِهِ وَلاَ اسْتِتَابَتِهِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَالْعِلَّةُ الَّتِي اعْتَلَلْت بِهَا مِنْ أَنَّك لاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ وَلاَ اسْتِتَابَتِهِ فِي هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَلاَ نَرَاكَ قَسَمْت مِيرَاثَهُ فِيهِمَا وَحَكَمْت عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَوْتَى فَلاَ أَسْمَعُ قَوْلَك مَعَ خِلاَفِهِ الْكِتَابَ إلَّا يَتَنَاقَصُ وَهَذَا الَّذِي عِبْت عَلَى غَيْرِك أَقَلُّ مِنْهُ‏.‏

‏(‏قَالَ‏)‏ وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ رِدَّتُهُ وَلُحُوقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ تُوجِبُ عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَوْتَى أَمَا كَانَ يَلْزَمُك لَوْ رَجَعَ بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ تَائِبًا أَنْ تُمْضِيَ عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَوْتَى‏؟‏ قَالَ لاَ أُمْضِي ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَدْ رَجَعَ قُلْت فَرِدَّتُهُ إذَا عَتِهَ وَلُحُوقُهُ لاَ يُوجِبَانِ حُكْمَ الْمَوْتَى عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقُلْت لِبَعْضِهِمْ أَرَأَيْت إذَا حَكَمْت عَلَيْهِ وَهُوَ بِدَارِ الْحَرْبِ حُكْمَ الْمَوْتَى فَأَعْتَقْت أُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ وَمُدَبَّرِيهِ وَأَحْلَلْت دِيَتَهُ الْبَعِيدَ الْأَجَلِ وَقَسَمْت مِيرَاثَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ تَائِبًا وَذَلِكَ كُلُّهُ قَائِمٌ فِي أَيْدِي مَنْ أَخَذَهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلاَدِهِ وَالْمُدَبَّرُونَ حُضُورٌ هَلْ يَجُوزُ فِي حُكْمٍ مَضَى إلَّا أَنْ تَرُدَّهُ أَوْ تُنْفِذَهُ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت فَقُلْ فِي هَذَا أَيَّهُمَا شِئْت إنْ شِئْت فَهُوَ نَافِذٌ وَإِنْ شِئْت فَهُوَ مَرْدُودٌ قَالَ بَلْ نَافِذٌ فِي مُدَبَّرِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ وَلاَ يَرْجِعُونَ رَقِيقًا وَفِي دَيْنِهِ فَلاَ يَرْجِعُ إلَى أَجَلِهِ وَإِنْ وَجَدْته قَائِمًا بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ نَفَذَ فِيهِ وَمَا وَجَدْت فِي أَيْدِي وَرَثَتِهِ رَدَدْته لِأَنَّهُ مَالُهُ وَهُوَ حَيٌّ فَقُلْت لَهُ إنَّمَا حَكَمْت فِي جَمِيعِ مَالِهِ الْحُكْمَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فَكَيْف أَنَفَذْت بَعْضًا وَرَدَدْت بَعْضًا‏؟‏ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ بَلْ أَنْفَذَ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُمْ يَعُودُونَ عَلَيْهِ فِي حَاجَتِهِ وَيَرِثُهُمْ وَلاَ أَنْفَذَ لِغُرَمَائِهِ وَلاَ مُدَبَّرِيهِ وَلاَ أُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ أَلاَ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى أَنْ يَكُونَ أَعْقَلَ بِشَيْءٍ مِنْك وَإِنْ كَانَ هَذَا مِمَّا لاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ‏؟‏‏.‏

‏(‏قَالَ‏)‏ وَقُلْت لَهُ أَيَعْدُو الْمُرْتَدُّ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أَوْ مُؤْمِنًا‏؟‏ قَالَ بَلْ كَافِرٌ قُلْت فَقَدْ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ‏}‏ فَكَيْفَ وَرَّثْت الْمُسْلِمَ مِنْ الْكَافِرِ‏؟‏ قَالَ قَدْ كَانَتْ ثَبَتَتْ لَهُ حُرْمَةُ الْإِسْلاَمِ قُلْت أَفَرَأَيْت لَوْ مَاتَ بَعْضُ وَلَدِهِ وَهُوَ مُرْتَدٌّ أَتُوَرِّثُهُ مِنْهُ‏؟‏ قَالَ لاَ لِأَنَّهُ كَافِرٌ قُلْت مَا أَبْعَدَك وَاَللَّهُ يُصْلِحُنَا وَإِيَّاكَ مِنْ أَنْ تَقِفَ عَلَى تَصْحِيحِ قَوْلِ نَفْسِك أَوْ تَتَّبِع السُّنَّةَ إنْ زَعَمْت أَنَّ إنْ ثَبَتَتْ لَهُ حُرْمَةُ الْإِسْلاَمِ حَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنْ يُورَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرِثَ وَإِنْ زَعَمْت أَنَّ انْتِقَالَهُ عَنْ الْإِسْلاَمِ مَنَعَهُ ذَلِكَ ثُمَّ حَوَّلَ حُكْمَهُ حَتَّى صِرْت تَقْتُلُهُ وَتَجْعَلُهُ فِي أَسْوَأِ مِنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُحَارِبِينَ لِأَنَّ لَك أَنْ تَدَعَهُمْ مِنْ الْقَتْلِ وَلَيْسَ لَك تَرْكُهُ مِنْهُ فَكَيْفَ وَرَّثْت مِنْهُ مُسْلِمًا وَهُوَ كَافِرٌ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله فَقَالَ أَوْ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ مِمَّنْ يَقُولُ بِقَوْلِهِ أَوْ هُمَا إنَّمَا أَخَذْنَا بِهَذَا أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قَتَلَ مُرْتَدًّا وَأَعْطَى وَرَثَتَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِيرَاثَهُ فَقُلْت لَهُ سَمِعْت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِنْكُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْحُفَّاظَ لَمْ يَحْفَظُوا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَسْمَ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَنَخَافُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي زَادَ هَذَا غَلَطٌ وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت أَصْلَ مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَلَيْسَ إذَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ مَعَهُ حُجَّةٌ‏؟‏ قَالَ بَلَى قُلْت فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ‏}‏ فَكَيْفَ خَالَفْته‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله فَقَالَ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْكَافِرَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ فَقُلْت لَهُ أَفَتَرَى فِي الْحَدِيثِ دَلاَلَةً عَلَى ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ قَدْ يَحْتَمِلُ قُلْت فَإِنْ جَازَ هَذَا لَك لَمْ يَجُزْ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْمُرْتَدُّ يَرِثُ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ لَوْ مَاتُوا مُسْلِمِينَ وَهُوَ فِي رِدَّتِهِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمِيرَاثِ قَالَ مَا أَقُولُ بِهَذَا قُلْت أَجَلْ وَلاَ أَنْ تُحَوِّلَ الْحَدِيثَ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ دَلاَلَةٍ فِيهِ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَمَّنْ الْحَدِيثُ عَنْهُ‏.‏ وَلَوْ جَازَ جَازَ أَنْ يُقَالَ هَذَا فِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً‏.‏ فَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَيَرِثُهُمْ الْمُسْلِمُونَ كَمَا يَنْكِحُونَ نِسَاءَهُمْ قَالَ فَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ لِشَيْءٍ رَوَيْته عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَلَعَلَّ عَلِيًّا قَدْ عَلِمَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ قُلْت أَفَعَلِمْت عَلِيًّا رضي الله عنه رَوَى ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَقُولُ قَدْ رَوَاهُ وَلَمْ تَقُلْ ذَلِكَ إلَّا بِعِلْمٍ‏؟‏ قَالَ مَا عَلِمْت قُلْت فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُون عَلِيٌّ رضي الله عنه لَمْ يَسْمَعْهُ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ وَهُوَ يُشْبِهُ أَنْ لاَ يَكُونَ ذَهَبَ عَلَيْهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله فَقِيلَ لَهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَقَدْ كَلَّمْتُمُونَا عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ فَلَمْ يَكُنْ لَك فِيهِ حُجَّةٌ وَيُعَادُ عَلَيْك بِأَكْثَرَ مِنْ حُجَّتِك فَإِنْ كَانَتْ فِيهَا حُجَّةٌ لَزِمَك مَا زَعَمْت أَنَّهُ يَلْزَمُك وَغَيْرُك وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حُجَّةٌ اسْتَدْلَلْت عَلَى أَنَّك لَمْ تَحْتَجَّ بِشَيْءٍ تَجُوزُ الْحُجَّةُ بِهِ قَالَ وَمَا هُوَ‏؟‏ قُلْت رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّهُ وَرَّثَ مُسْلِمًا مِنْ كَافِرٍ أَحْسِبُهُ ذِمِّيًّا وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ وَرَّثَ الْمُسْلِمَ مِنْ الْكَافِرِ وَلَمْ يُوَرِّثْ الْكَافِرَ مِنْ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رِجَالاً مَنَعَهُمْ مِنْ الْإِسْلاَمِ أَنْ يُحْرَمُوا مَوَارِيثَ آبَائِهِمْ وَأَعْجَبَ مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ وَقَالَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ نَرِثُهُمْ وَلاَ يَرِثُونَا كَمَا يَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ وَلاَ يَحِلُّ لَهُمْ نِسَاؤُنَا وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏.‏ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهُوَ يَجُوزُ عَلَيْك أَنْ يُقَالَ لَمْ يَذْهَبْ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ مَعَهُ مَنْ سَمَّيْنَا وَغَيْرَهُمْ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَمِلُ مَا زَعَمْت أَنَّهُ يَحْتَمِلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَى بَعْضِ الْكَافِرِينَ دُونَ بَعْضٍ فَنُوَرِّثُ الْمُسْلِمَ مِنْ الْكَافِرِ الْكِتَابِيِّ كَمَا يَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ‏.‏ قَالَ لاَ يَجُوزُ إذَا جَاءَ الشَّيْءُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ بِجُمْلَتِهِ وَلاَ يُتْرَكُ إلَّا بِدَلاَلَةٍ عَنْهُ أَوْ مَنْ يَرْوِي الْحَدِيثَ عَنْهُ وَقَدْ يَذْهَبُ عَلَى مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ بَعْضُ حَدِيثِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ فَقِيلَ لَهُ لَقَلَّمَا رَأَيْتُك تَرَى أَنَّ لَك الْحُجَّةَ فِي شَيْءٍ إلَّا لَزِمَك مِثْلُهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ ثُمَّ زَعَمْت أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ثُمَّ لاَ يَمْنَعُك ذَلِكَ مِنْ الْعَوْدَةِ لِمِثْلِهِ فَإِنْ كَانَ هَذَا غَبَاءٌ فَلَوْ أَمْسَكْت عَنْ أَنْ تَحْتَجَّ وَإِنْ كَانَ هَذَا عَمْدًا أَنْ تُلْبِسَ عَلَى جَاهِلٍ فَهَذَا أَسْوَأُ لِحَالِك فِيمَا بَيْنَك وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَعَلَّهُ لاَ يَسَعُك ذَلِكَ‏.‏ وَقَدْ أَدْخَلْت عَالَمًا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْغَفْلَةِ وَالِاسْتِعْجَالِ بِأَنْ يَكُونُوا مُفْتِينَ فِي خِلاَفِ كَثِيرٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ فَهَلْ رَوَيْت فِي مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ شَيْئًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت إذْ أَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْكَافِرَ لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَكَانَ كَافِرًا فَفِي السُّنَّةِ كِفَايَةٌ مِنْ أَنَّ مَالَهُ مَالُ كَافِرٍ وَلاَ وَارِثَ لَهُ فَإِنَّمَا هُوَ فَيْءٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه كَتَبَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه يَسْأَلُهُمَا عَنْ مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ فَقَالاَ لِبَيْتِ الْمَالِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ يَعْنِيَانِ أَنَّهُ فَيْءٌ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله فَقَالَ فَكَيْفَ خَمَّسْته‏؟‏ قُلْت الْمَالُ ثَلاَثَةُ أَصْنَافٍ صَدَقَةٌ وَغَنِيمَةٌ قُوتِلَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ وَفَيْءٌ قِسْمَتُهُ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ بِأَنْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُمُسُهُ وَالْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِجَمَاعَةِ أَهْلِ الْفَيْءِ قَالَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِكُمْ مَنْ زَعَمَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ ابْنَ خَطَلٍ ارْتَدَّ فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّهُ غَنِمَ مَالَهُ‏}‏ فَقُلْت لَهُ أَنْتُمْ تَنْسِبُونَ أَنْفُسَكُمْ إلَى الصَّبْرِ عَلَى الْمُنَاظَرَةِ وَالنَّصَفَةِ وَتَنْسِبُونَ أَصْحَابَنَا إلَى الْغَفْلَةِ وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْلُكُونَ طَرِيقَ الْمُنَاظَرَةِ فَكَيْفَ صِرْت إلَى الْحُجَّةِ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عِنْدَك كَمَا تَصِفُ‏؟‏ قَالَ أَفَعَلِمْت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنِمَ مَالَ ابْنُ خَطَلٍ قُلْت وَلاَ عَلِمْته وَرَّثَ وَرَثَتَهُ الْمُسْلِمِينَ وَلاَ عَلِمْت لَهُ مَالاً‏,‏ أَفَرَأَيْت إنْ جَازَ لَك أَنْ تُوهِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَغْنَمْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَنَّهُ غَنِمَهُ أَيَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنِمَهُ قَالَ نَعَمْ وَلاَ يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ يَجُوزُ لِثَالِثٍ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ثُمَّ لَوْ أَجَزْت التَّوَهُّمَ جَازَ أَنْ يُقَالَ كَانَ لَهُ مَالٌ فَغَنِمَ بَعْضَهُ قَالَ لاَ يَجُوزُ هَذَا‏.‏ قَالَ فَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِك أَنَّ رَجُلاً ارْتَدَّ فِي عَهْدِ عُمَرَ رضي الله عنه وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ عُمَرُ لِمَالِهِ وَلاَ عُثْمَانُ بَعْدَهُ قُلْنَا لاَ نَعْرِفُ هَذَا ثَابِتٌ عَنْ عُمَرَ وَلاَ عَنْ عُثْمَانَ وَلَوْ كَانَ خِلاَفَ قَوْلِك وَبِمَا قُلْنَا أَشْبَهُ قَالَ فَكَيْفَ‏؟‏ قُلْت أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ قُسِمَ مَالُهُ وَتَرْوُونَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا لَمْ يَقْسِمَاهُ وَتَقُولُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ وَقَدْ يَكُونُ بِيَدَيْ مَنْ وَثِقَ بِهِ أَوْ يَكُونُ ضَمِنَهُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَبْلُغُهُ مَوْتُهُ فَيَأْخُذُهُ فَيْئًا‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ فَكَيْفَ قُلْت إذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ إلَّا بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ‏؟‏ قُلْت قُلْته أَنَّهُ فِي مَعْنَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَأَيْنَ‏؟‏ قُلْت إذَا كَانَ الزَّوْجَانِ الْوَثَنِيَّانِ مُتَنَاكِحَيْنِ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَحَرُمَ عَلَى الْآخَرِ قَالَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْتَهَى بَيْنُونَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ الزَّوْجِ أَنْ تَمْضِيَ عِدَّتَهَا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ الْآخَرَ مِنْهُمَا إسْلاَمًا بِدَلاَلَةٍ عَنْهُ مِمَّنْ رَوَى الْحَدِيثَ كَانَ هَكَذَا الْمُسْلِمَانِ مُتَنَاكِحَيْنِ ثُمَّ أَحْدَثَ أَحَدُهُمَا مَا حَرَّمَ بِهِ عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ مُضِيِّ عِدَّةِ الزَّوْجَةِ كَانَا عَلَى أَصْلِ النِّكَاحِ كَمَا كَانَ الْحَرْبِيَّانِ قَالَ فَهَلْ خَالَفَ هَذَا مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ‏؟‏ فَقُلْت إنَّ أَحَدًا يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً فَلاَ أَعْلَمُهُ وَأَصْحَابِي عِنْدَك كَمَا عَلِمْت فَمَا مَسْأَلَتُك عَنْ قَوْلِ مَنْ لاَ تَعْتَدُّ بِقَوْلِهِ وَافَقَك أَوْ خَالَفَك

اصْطِدَامُ السَّفِينَتَيْنِ وَالْفَارِسَيْنِ

‏(‏أَخْبَرَنَا‏)‏ الرَّبِيعُ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا اصْطَدَمَ الْفَارِسَانِ لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِأَنْ يَكُونَ صَادَمَا فَمَاتَا مَعًا وَفَرَسَاهُمَا فَنِصْفُ دِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ صَادِمِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الظَّاهِرِ مَاتَ مِنْ جِنَايَةِ نَفْسِهِ وَجِنَايَةِ غَيْرِهِ فَتُرْفَعُ عَنْهُ جِنَايَةُ نَفْسِهِ وَيُؤْخَذُ لَهُ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ وَهَكَذَا فَرَسَاهُمَا إلَّا أَنَّ نِصْفَ قِيمَةِ فَرَسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِ صَادِمِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ‏,‏ وَهَكَذَا لَوْ أَنَّ عَشَرَةً يَرْمُونَ بِالْمَنْجَنِيقِ أَوْ عَرَّادَةٍ فَوَقَعَ الْحَجَرُ عَلَيْهِمْ مَعًا فَقَتَلَ كُلٌّ وَاحِدًا ضَمِنَ عَوَاقِلُ التِّسْعَةِ تِسْعَةَ أَعْشَارِ دِيَةِ الْمَيِّتِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَفِعْلِهِ فَلاَ يَعْقِلُونَ فِعْلَهُ وَيَعْقِلُونَ فِعْلَ أَنْفُسِهِمْ قَالَ‏:‏ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ اثْنَانِ فَرَمَيَا بِمَنْجَنِيقٍ فَرَجَعَ الْحَجَرُ عَلَيْهِمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الْبَاقِي مِنْهُمَا نِصْفَ دِيَةِ الْمَيِّتِ كَالْمَسْأَلَةِ فِيهِ قَبْلَهَا‏,‏ قَالَ وَلَوْ مَاتَا مَعًا ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ دِيَةِ الْآخَرِ وَهَكَذَا هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ‏.‏

قَالَ وَإِذَا اشْتَرَكَ فِي الْجِنَايَةِ مَنْ عَلَيْهِ عَقْلٌ وَمَنْ لاَ عَقْلَ عَلَيْهِ ضَمِنَ مَنْ عَلَيْهِ الْعَقْلُ وَطَرَحَ حِصَّةَ مَنْ لاَ عَقْلَ عَلَيْهِ كَمَا وَصَفْنَا فِي الْإِنْسَانِ يَجْنِي عَلَى نَفْسِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ فَتُرْفَعُ حِصَّتُهُ وَيُقْضَى عَلَى غَيْرِهِ وَمِثْلُ الْإِنْسَانِ وَالسَّبُعِ يَجْنِيَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ فَيَمُوتُ وَالْجِنَايَةُ خَطَأٌ مِنْ الْجَانِي فَنِصْفُ عَقْلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي وَحِصَّةُ السَّبُعِ مِنْهَا هَدَرٌ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ كَانَتْ سَفِينَتَانِ اصْطَدَمَتَا فَانْكَسَرَتَا فَكَانَ لاَ يُمْكِنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ السَّفِينَتَيْنِ الْمُصْطَدِمَتَيْنِ صَرَفَهَا عَنْ صَدْمِ الْأُخْرَى بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلاَ حَالٌ مِنْ الْأَحْوَالِ لاَ بِإِضْرَارٍ بِهَا وَبِرُكْبَانِهَا أَوْ بِلاَ إضْرَارٍ بِهَا وَلاَ بِرُكْبَانِهَا فَالْقَوْلُ فِيهَا كَالْقَوْلِ فِي الْفَارِسَيْنِ يَصْطَدِمَانِ فَإِنْ كَانَ لاَ يُمْكِنُهُمْ ذَلِكَ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ أَبَدًا فَمَا صَنَعَا هَدَرٌ‏.‏ قَالَ وَإِذَا كَانَ فِي السَّفِينَةِ أُجَرَاءُ يَعْمَلُونَ فِيهَا عَمَلاً غَرِقَتْ بِسَبَبِهِ فَإِنْ كَانَ رَبُّ السَّفِينَةِ مَعَهُمْ فَأَمَرَهُمْ بِذَلِكَ الْعَمَلِ وَلاَ شَيْءَ فِيهَا إلَّا لِرَبِّ السَّفِينَةِ فَلاَ شَيْءَ عَلَى الَّذِينَ مَدُّوهَا وَلاَ عَلَى رَبِّ السَّفِينَةِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ لِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْبَحْرِ مِنْ صَلاَحِ السَّفِينَةِ وَنَجَاتِهَا لَمْ يَضْمَنْ وَلَمْ يَضْمَنُوا وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ صَلاَحِهَا ضَمِنَ فِي قَوْلِ مِنْ يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ وَمَنْ ضَمَّنَ الْأَجِيرَ ضَمَّنَ صَاحِبَ السَّفِينَةِ إذَا كَانَ أَخَذَ عَلَيْهَا أَجْرًا وَلَمْ يَضْمَنْ الْأُجَرَاءُ لِصَاحِبِ السَّفِينَةِ مَا هَلَكَ لَهُ مِنْ قِبَلَ أَنَّهُمْ بِأَمْرِهِ فَعَلُوا‏.‏ وَلَوْ كَانَ رَبُّ الطَّعَامِ مَعَ الطَّعَامِ فَأَمَرَهُمْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ لَمْ يَضْمَنُوا لِأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ بِأَمْرِهِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ أُجَرَاءُ وَلَيْسَ فِيهَا رَبُّهَا فَفَعَلُوا هَذَا الْفِعْلَ فَمَنْ ضَمِنَ الْأَجِيرُ ضَمِنَهُمْ وَمَنْ لَمْ يَضْمَنْ الْأَجِيرُ لَمْ يَضْمَنْهُمْ إلَّا فِيمَا فَعَلُوا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ صَلاَحٌ لَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ جِنَايَةً يَضْمَنُونَهَا‏.‏

مَسْأَلَةُ الْحَجَّامِ وَالْخَاتِنِ وَالْبَيْطَارِ

‏(‏أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ‏)‏ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا أَمَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْجُمَهُ أَوْ يَخْتِنَ غُلاَمَهُ أَوْ يُبَيْطِرَ دَابَّتَهُ فَتَلِفُوا مِنْ فِعْلِهِ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ مَا يُفْعَلُ مِثْلُهُ مِمَّا فِيهِ الصَّلاَحُ لِلْمَفْعُولِ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتِلْكَ الصِّنَاعَةِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فَعَلَ مَا لاَ يُفْعَلُ مِثْلُهُ مَنْ أَرَادَ الصَّلاَحَ وَكَانَ عَالِمًا بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَلَهُ أَجْرُ مَا عَمِلَ فِي الْحَالَيْنِ فِي السَّلاَمَةِ وَالْعَطَبِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ ‏"‏ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ‏:‏ إذَا فَعَلَ مَا لاَ يُفْعَلُ فِيهِ مِثْلُهُ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَالْعَمَلُ الَّذِي عَمِلَهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَلاَ أَجْرَ لَهُ وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِمَّنْ ضَمَّنَ الصُّنَّاعَ يُضَمِّنُ هَؤُلاَءِ وَإِنَّ فِي تَرْكِهِمْ تَضْمِينَ هَؤُلاَءِ لِمَا وَجَّهَ بِهِ مَنْ لاَ يُضَمِّنُ الصُّنَّاعَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ إذَا أَلْغَوْا الضَّمَانَ عَمَّنْ لَمْ يَبْعُدْ مِنْ هَؤُلاَءِ لَزِمَهُمْ إلْغَاؤُهُ عَمَّنْ لَمْ يُبْعِدْ مِنْ الصُّنَّاعِ وَمَا عَلِمْت أَنِّي سَأَلْت أَحَدًا مِنْهُمْ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالَ هَذَا أَذِنَ لِلصَّانِعِ قَلَّمَا وَكَذَلِكَ ذَاكَ أَذِنَ لِلصَّانِعِ وَمَا وَجَدْت بَيْنَهُمَا فَرْقًا إلَّا فَرْقًا خَطَرَ بِبَالِي فَقَدْ يُفَرِّقُ النَّاسُ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ وَأَغْمَضُ وَمَا هُوَ بِالْفَرْقِ الْبَيِّنِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ فِيهِ رُوحٌ قَدْ يَمُوتُ بِقَدَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ مِنْ شَيْءٍ عَرَفَهُ الْآدَمِيُّونَ فَلَمَّا عَالَجَ هَؤُلاَءِ فِيهِ شَيْئًا فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ عِلاَجِهِمْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَمُوتَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَضْمَنْ مِنْ قِبَلَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيمَا فَعَلَ وَغَيْرُ ذَوِي الْأَرْوَاحِ مِمَّا صُنِعَ إنَّمَا جُعِلَ إتْلاَفُهُ بِشَيْءٍ يُحْدِثُهُ فِيهِ الْآدَمِيُّونَ أَوْ بِحَدَثٍ يُرَى‏.‏ وَمَنْ فَرَّقَ بِهَذَا الْفَرْقِ دَخَلَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ فَأَنْتَ لَوْ كَانَ هَؤُلاَءِ مُتَعَدِّينَ جَعَلْتهمْ مَاتُوا بِهَذَا الْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ غَيْرُهُ فَكَذَلِكَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ فِي الصُّنَّاعِ كُلِّهِمْ

‏(‏قَالَ‏)‏ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَنْ يَخْبِزَ لَهُ خُبْزًا مَعْلُومًا فِي تَنُّورٍ أَوْ فُرْنٍ فَاحْتَرَقَ الْخُبْزُ سُئِلَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ كَانَ خُبْزُهُ فِي حَالٍ لاَ يُخْبَزُ فِي مِثْلِهَا بِاسْتِيقَادِ التَّنُّورِ أَوْ شِدَّةِ جَمْرَتِهِ أَوْ تَرَكَهُ تَرْكًا لاَ يُتْرَكُ مِثْلُهُ فَهَذَا كُلُّهُ تَعَدٍّ يَضْمَنُ فِيهِ بِكُلِّ حَالٍ عِنْدَ مَنْ يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ وَمَنْ لَمْ يُضَمِّنْهُ وَإِنْ قَالُوا الْحَالُ الَّتِي خَبَزَ فِيهَا وَاَلَّتِي تَرَكَهُ فِيهَا وَالْعَمَلُ الَّذِي عَمِلَ فِيهِ إصْلاَحٌ لاَ إفْسَادٌ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ مَنْ لاَ يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ ضَمِنَ عِنْدَ مَنْ يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ

‏(‏قَالَ‏)‏ وَإِذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ إنَاءً مِنْ قَوَارِيرَ فَأَخَذَهُ الْمُسْتَوْدِعُ فِي يَدِهِ لِيُحْرِزَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَانْكَسَرَ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ أَصَابَهُ بِفِعْلِهِ مُخْطِئًا أَوْ عَامِدًا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْبَيْتِ أَوْ بَعْدَ مَا صَارَ إلَيْهِ فَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ‏.‏

مَسْأَلَةُ الرَّجُلِ يَكْتَرِي الدَّابَّةَ فَيَضْرِبُهَا فَتَمُوتُ

‏(‏أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ‏)‏ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا اكْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الدَّابَّةَ فَضَرَبَهَا أَوْ كَبَحَهَا بِلِجَامٍ أَوْ رَكَضَهَا فَمَاتَتْ سُئِلَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالرُّكُوبِ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَفْعَلُ الْعَامَّةُ فَلاَ يَكُونُ فِيهِ عِنْدَهُمْ خَوْفُ تَلَفٍ أَوْ فَعَلَ فِي الْكَبْحِ وَالضَّرْبِ مِثْلَ مَا يُفْعَلُ بِمِثْلِهَا عِنْدَمَا فَعَلَهُ فَلاَ أَعُدُّ ذَلِكَ خِرْقَةً وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِمَوْضِعٍ يَكُونُ بِمِثْلِهِ تَلَفًا أَوْ فَعَلَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لاَ يُفْعَلُ فِي مِثْلِهِ ضَمِنَ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَا تَعَدٍّ‏.‏ وَالْمُسْتَعِيرُ هَكَذَا إنْ كَانَ صَاحِبُهُ لاَ يُرِيدُ أَنْ يُضَمِّنَّهُ فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يُضَمِّنَّهُ الْعَارِيَّةَ فَهُوَ ضَامِنٌ تَعَدَّى أَوْ لَمْ يَتَعَدَّ‏.‏ فَأَمَّا الرَّائِضُ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ الرُّوَّاضِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ إصْلاَحُهُمْ الدَّوَابَّ الضَّرْبَ عَلَى حَمْلِهَا مِنْ السَّيْرِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا مِنْ الضَّرْبِ أَكْثَرَ مِمَّا تَفْعَلُ الرِّكَابُ غَيْرُهُمْ فَإِذَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالرِّيَاضَةِ إصْلاَحًا وَتَأْدِيبًا لِلدَّابَّةِ بِلاَ إعْنَاتٍ بَيِّنٍ لَمْ يَضْمَنْ إنْ عِيبَتْ وَإِنْ فَعَلَ خِلاَفَ هَذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا وَضَمِنَ وَالْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ هَكَذَا كَالْمُكْتَرِي فِي رُكُوبِهَا إذَا تَعَدَّى ضَمِنَ وَإِذَا لَمْ يَتَعَدَّ لَمْ يَضْمَنْ

‏(‏قَالَ الرَّبِيعُ‏)‏ قَوْلُهُ الَّذِي نَأْخُذُ بِهِ فِي الْمُسْتَعِيرِ أَنَّهُ يَضْمَنُ تَعَدَّى أَوْ لَمْ يَتَعَدَّ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏الْعَرِيَّةُ مَضْمُونَةٌ‏}‏ مُؤَدَّاةٌ وَهُوَ آخِرُ قَوْلَيْهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالرَّاعِي إذَا فَعَلَ مَا لِلرِّعَاءِ أَنْ يَفْعَلُوهُ مِمَّا لاَ صَلاَحَ لِلْمَاشِيَةِ إلَّا بِهِ وَمِمَّا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْمَاشِيَةِ بِمَوَاشِي أَنْفُسِهِمْ عَلَى اسْتِصْلاَحِهَا وَمَا إذَا رَأَوْا مَنْ يَفْعَلُهُ بِمَوَاشِيهِمْ مِمَّنْ يَلِي رَعِيَّتَهَا كَانَ عِنْدَهُمْ صَلاَحًا لاَ تَلَفًا وَلاَ خِرْقَةً يَفْعَلُهُ الرَّاعِي لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ تَلِفَ وَإِنْ فَعَلَ مَا يَكُونُ عِنْدَهُمْ خِرْقَةً فَتَلِفَ مِنْهُ شَيْءٌ ضَمِنَهُ عِنْدَ مَنْ لاَ يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ وَمَنْ ضَمَّنَ الْأَجِيرَ ضَمَّنَهُ فِي كُلِّ حَالٍ‏.‏

جِنَايَةُ مُعَلِّمِ الْكُتَّابِ

‏(‏أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ‏)‏ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَمُعَلِّمُ الْكُتَّابِ وَالْآدَمِيِّينَ كُلِّهِمْ مُخَالِفٌ لِرَاعِي الْبَهَائِمِ وَصُنَّاعِ الْأَعْمَالِ فَإِذَا ضَرَبَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ فِي اسْتِصْلاَحِ الْمَضْرُوبِ أَوْ غَيْرِ اسْتِصْلاَحِهِ فَتَلِفَ الْمَضْرُوبُ كَانَتْ فِيهِ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ ضَارِبِهِ وَلاَ يُرْفَعُ عَنْ أَحَدٍ أَصَابَ الْآدَمِيِّينَ الْعَقْلُ وَالْقَوَدُ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ إلَّا الْإِمَامُ يُقِيمُ الْحَدَّ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ لاَزِمٌ وَلاَ يَحِلُّ لَهُ تَعْطِيلُهُ‏,‏ وَلَوْ عُزِّرَ فَتَلِفَ عَلَى يَدَيْهِ كَانَتْ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَإِنْ كَانَ يَرَى أَنَّ التَّعْزِيرَ جَائِزٌ لَهُ وَذَلِكَ أَنَّ التَّعْزِيرَ أَدَبٌ لاَ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ وَقَدْ كَانَ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَلاَ يَأْثَمُ مِنْ تَرْكِهِ فِيهِ‏.‏ أَلاَ تَرَى أَنَّ أُمُورًا قَدْ فُعِلَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ غَيْرَ حُدُودٍ فَلَمْ يَضْرِبْ فِيهَا‏,‏ مِنْهَا الْغُلُولُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَلَمْ يُؤْتَ بِحَدٍّ قَطُّ فَعَفَاهُ‏.‏ وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي‏:‏ الَّذِي يُبْطِلُ فِيهِ الْعَقْلُ وَالْقَوَدُ رَجُلٌ يُعْطِي الْخِتَانَ فَيَخْتِنُهُ وَالطَّبِيبُ فَيَفْتَحُ عُرُوقَهُ أَوْ يَقْطَعَ الْعِرْقَ مِنْ عُرُوقِهِ خَوْفَ أَكْلَةٍ أَوْ دَاءٍ فَيَمُوتُ فِي ذَلِكَ فَلاَ نَجْعَلُ فِيهِ عَقْلاً وَلاَ قَوَدًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِصَاحِبِهِ بِإِذْنِهِ فَفِعْلُهُ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ الَّذِي فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ بَالِغًا حُرًّا أَوْ مَمْلُوكًا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ كَيْفَ يَسْقُطُ عَنْ الْإِمَامِ أَنْ يَقْتَصَّ فِي الْجُرْحِ وَيَقْطَعَ فِي السَّرِقَةِ وَيَجْلِدَ فِي الْحَدِّ فَلاَ يَكُونَ فِيهِ عَقْلٌ وَلاَ قَوَدٌ وَيَكُونَ الْإِمَامُ إذَا أَدَّبَ وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّبَ ضَامِنًا تَلِفَ الْمُؤَدِّبُ‏.‏ قِيلَ‏:‏ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ فَرْضٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْوَالِي أَنْ يُقِيمَهُ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ تَرْكُ إقَامَتِهِ وَالتَّعْزِيرُ كَمَا وَصَفْت إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَإِنْ رَأَى بَعْضُ الْوُلاَةِ أَنْ يَفْعَلَهُ عَلَى التَّأْدِيبِ لاَ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ‏.‏ وَقَدْ قِيلَ بَعَثَ عُمَرُ إلَى امْرَأَةٍ فِي شَيْءٍ بَلَغَهُ عَنْهَا فَأَسْقَطَتْ فَاسْتَشَارَ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ أَنْتَ مُؤَدِّبٌ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه إنْ كَانَ اجْتَهَدَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَجْتَهِدْ فَقَدْ غَشَّ‏,‏ عَلَيْك الدِّيَةُ‏.‏ فَقَالَ عَزَمْت عَلَيْك لاَ تَجْلِسُ حَتَّى تَضْرِبَهَا عَلَى قَوْمِك وَبِهَذَا ذَهَبْنَا إلَى هَذَا وَإِلَى أَنَّ خَطَأَ الْإِمَامِ عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَ بَيْتِ الْمَالِ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ مَا أَحَدٌ يَمُوتُ فِي حَدٍّ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّ الْحَقَّ قَتْلُهُ إلَّا مَنْ مَاتَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ شَيْءٌ رَأَيْنَاهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ مَاتَ فِيهِ فَدِيَتُهُ إمَّا قَالَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَإِمَّا قَالَ عَلَى الْإِمَامِ وَكَانَ مُعَلِّمُ الْكُتَّابِ وَالْعَبِيدُ وَأُجَرَاءُ الصِّنَاعَاتِ فِي أَضْعَفَ وَأَقَلَّ عُذْرًا بِالضَّرْبِ مِنْ الْإِمَامِ يُؤَدِّبُ النَّاسَ عَلَى الْمَعَاصِي الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا حُدُودٌ وَكَانُوا أَوْلَى أَنْ يَضْمَنُوا مَا تَلِفَ مِنْ الْإِمَامِ

فَأَمَّا الْبَهَائِمُ فَإِنَّمَا هِيَ أَمْوَالٌ حُكْمُهَا غَيْرُ حُكْمِ الْأَنْفُسِ‏.‏ أَلاَ تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَرْمِي الشَّيْءَ فَيُصِيبُ آدَمِيًّا فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِيهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لَمْ يَقْصِدْ قَصْدَ مَعْصِيَةٍ وَالْمَأْثَمُ مَرْفُوعٌ عَنْهُ فِي الْخَطَأِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ قَاتِلَ الْعَمْدِ النَّارَ وَلَيْسَ الْبَهَائِمُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَالْآدَمِيُّونَ يُؤَدِّبُونَ عَلَى الصِّنَاعَاتِ بِالْكَلاَمِ فَيَعْقِلُونَهُ وَلَيْسَ هَكَذَا مُؤَدِّبُ الْبَهَائِمِ فَإِذَا خَلَّى رَبُّ الْبَهِيمَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ بِمَا يَجُوزُ لَهُ فَفَعَلَهُ فَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ عَنْ أَمْرِهِ أَوْ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فِيهِ أَنَّهُ كَأَمْرِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ تَعَدٍّ وَهُوَ لَوْ أَمَرَهُ فِي الْبَهِيمَةِ بِعُدْوَانٍ فَأَمَرَهُ بِقَتْلِهَا فَقَتَلَهَا لَمْ يَضْمَنْ لَهُ شَيْئًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَهُ عَنْ أَمْرِهِ فَلاَ يَضْمَنُ لَهُ مَالَهُ عَنْ أَمْرِهِ وَلَوْ كَانَ آثِمًا وَلَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِ أَبِيهِ فَقَتَلَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ ذَلِكَ كَمَا يَسْقُطُ عَنْهُ فِي الْبَهِيمَةِ‏.‏

مَسْأَلَةُ الْأُجَرَاءِ

‏(‏أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ‏)‏ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى قَالَ الْأُجَرَاءُ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فَإِذَا تَلِفَ فِي أَيْدِيهمْ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ جِنَايَتِهِمْ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ أَخَذَ الْكِرَاءَ عَلَى شَيْءٍ كَانَ لَهُ ضَامِنًا حَتَّى يُؤَدِّيَهُ عَلَى السَّلاَمَةِ أَوْ يَضْمَنَهُ أَوْ مَا نَقَصَهُ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ الْأَمِينُ هُوَ مَنْ دَفَعْت إلَيْهِ رَاضِيًا بِأَمَانَتِهِ لاَ مُعْطًى أَجْرًا عَلَى مَا دَفَعْت إلَيْهِ وَإِعْطَائِي هَذَا الْأَجْرَ تَفْرِيقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمِينِ الَّذِي أَخَذَ مَا اُسْتُؤْمِنَ عَلَيْهِ بِلاَ جُعْلٍ أَوْ يَقُولُ قَائِلٌ لاَ ضَمَانَ عَلَى أَجِيرٍ بِحَالٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ مَنْ تَعَدَّى فَأَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ أَوْ أَخَذَ الشَّيْءَ عَلَى مَنْفَعَةٍ لَهُ فِيهِ إمَّا مُسَلَّطٌ عَلَى إتْلاَفِهِ كَمَا يَأْخُذُ سَلَفًا فَيَكُونُ مَالاً مِنْ مَالِهِ فَيَكُونُ إنْ شَاءَ يُنْفِقُهُ وَيَرُدُّ مِثْلَهُ وَإِمَّا مُسْتَعِيرٌ سَلَّطَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِمَا أُعِيرَ فَيَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ لاَ لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِهِ فِيهِ وَهَذَانِ مَعًا نَقْصٌ عَلَى الْمُسَلِّفِ وَالْمُعِيرِ أَوْ غَيْرُ زِيَادَةٍ لَهُ وَالصَّانِعُ وَالْأَجِيرُ مَنْ كَانَ لَيْسَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَلاَ يَضْمَنُ بِحَالٍ إلَّا مَا جَنَتْ يَدُهُ كَمَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ مَا جَنَتْ يَدُهُ وَلَيْسَ بِهَذَا سُنَّةٌ عَلِمْتهَا وَلاَ أَثَرٌ يَصِحُّ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما لَيْسَ يَثْبُتُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَنْهُمَا وَلَوْ ثَبَتَ عَنْهُمَا لَزِمَ مَنْ يُثْبِتُهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأُجَرَاءَ مَنْ كَانُوا فَيَضْمَنُ أَجِيرُ الرَّجُلِ وَحْدَهُ وَالْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ وَالْأَجِيرُ عَلَى الْحِفْظِ وَالرَّعِيَّةِ وَحَمْلِ الْمَتَاعِ وَالْأَجِيرُ عَلَى الشَّيْءِ يَصْنَعُهُ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه إنْ كَانَ ضَمَّنَ الصُّنَّاعَ فَلَيْسَ فِي تَضْمِينِهِ لَهُمْ مَعْنًى إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمَّنَهُمْ بِأَنَّهُمْ أَخَذُوا أَجْرًا عَلَى مَا ضَمِنُوا فَكُلُّ مَنْ أَخَذَ أَجْرًا فَهُوَ فِي مَعْنَاهُمْ وَإِنْ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ضَمَّنَ الْقَصَّارَ وَالصَّابِغَ فَكَذَلِكَ كُلُّ صَانِعٍ وَكُلُّ مَنْ أَخَذَ أَجْرًا وَقَدْ يُقَالُ لِلرَّاعِي صِنَاعَتُهُ الرَّعِيَّةُ وَلِلْحَمَّالِ صِنَاعَتُهُ الْحَمْلُ لِلنَّاسِ وَلَكِنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ مَا قُلْت أَوَّلاً مِنْ التَّضْمِينِ أَوْ تَرْكِ التَّضْمِينِ وَمَنْ ضَمَّنَ الْأَجِيرَ بِكُلِّ حَالٍ فَكَانَ مَعَ الْأَجِيرِ مَا قُلْت مِثْلَ أَنْ اسْتَحْمَلَهُ الشَّيْءَ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ اسْتَعْمَلَهُ لِشَيْءٍ فِي بَيْتِهِ أَوْ غَيْرِ بَيْتِهِ وَهُوَ حَاضِرٌ لِمَالِهِ أَوْ وَكِيلٌ لَهُ بِحِفْظِهِ فَتَلِفَ مَالُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا تَلِفَ بِهِ إذَا لَمْ يَجْنِ عَلَيْهِ جَانٍ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى الصَّانِعِ وَلاَ الْأَجِيرِ وَكَذَلِكَ إنْ جَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ وَالضَّمَانُ عَلَى الْجَانِي وَلَوْ غَابَ عَنْهُ أَوْ تَرَكَهُ يَغِيبُ عَلَيْهِ كَانَ ضَامِنًا لَهُ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ مَا تَلِفَ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا مَعَهُ فَعَمِلَ فِيهِ عَمَلاً فَتَلِفَ بِذَلِكَ الْعَمَلِ وَقَالَ الْأَجِيرُ هَكَذَا يُعْمَلُ هَذَا فَلَمْ أَتَعَدَّ بِالْعَمَلِ وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ لَيْسَ هَكَذَا يُعْمَلُ وَقَدْ تَعَدَّيْت‏,‏ وَبَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ أَوْ لاَ بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا فَإِذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ سُئِلَ عَدْلاَنِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الصِّنَاعَةِ فَإِنْ قَالاَ هَكَذَا يُعْمَلُ هَذَا فَلاَ يَضْمَنُ وَإِنْ قَالاَ هَذَا تَعَدَّى فِي عَمَلِ هَذَا ضَمِنَ كَانَ التَّعَدِّي مَا كَانَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الصَّانِعِ مَعَ يَمِينِهِ ثُمَّ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِذَا سَمِعْتنِي أَقُولُ الْقَوْلَ قَوْلُ أَحَدٍ فَلَسْت أَقُولُهُ إلَّا عَلَى مَعْنَى مَا يُعْرَفُ إذَا ادَّعَى الَّذِي أَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَا يُمْكِنُ بِحَالٍ مِنْ الْحَالاَتِ جَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَهُ وَإِذَا ادَّعَى مَا لاَ يُمْكِنُ بِحَالٍ مِنْ الْحَالاَتِ لَمْ أَجْعَلْ الْقَوْلَ قَوْلَهُ وَمَنْ ضَمَّنَ الصَّانِعَ فِيمَا يَغِيبُ عَلَيْهِ فَجَنَى جَانٍ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ فَأَتْلَفَهُ فَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ فِي تَضْمِينِ الصَّانِعِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَيْهِ عَلَى السَّلاَمَةِ فَإِنْ ضَمَّنَهُ رَجَعَ بِهِ الصَّانِعُ عَلَى الْجَانِي أَوْ تَضْمِينُ الْجَانِي فَإِنْ ضَمَّنَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ الْجَانِي عَلَى الصَّانِعِ وَإِذَا ضَمَّنَهُ الصَّانِعَ فَأَفْلَسَ بِهِ الصَّانِعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْجَانِي وَكَانَ الْجَانِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَالْحَمِيلِ وَكَذَلِكَ لَوْ ضَمَّنَهُ الْجَانِيَ فَأَفْلَسَ بِهِ الْجَانِي رَجَعَ بِهِ عَلَى الصَّانِعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبْرَأَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ تَضْمِينِ الْآخَرِ فَلاَ يَرْجِعُ بِهِ وَلِلصَّانِعِ فِي كُلِّ حَالٍ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْجَانِي إذَا أَخَذَ مِنْ الصَّانِعِ وَلَيْسَ لِلْجَانِي أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الصَّانِعِ إذَا أُخِذَ مِنْهُ بِحَالٍ‏.‏

قَالَ وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ عَلَى الْوَزْنِ الْمَعْلُومِ وَالْكَيْلِ الْمَعْلُومِ وَالْبَلَدِ الْمَعْلُومِ فَزَادَ الْوَزْنُ أَوْ الْكَيْلُ أَوْ نَقَصَا وَتَصَادَقَا عَلَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ وَلِيُّ الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ قُلْنَا فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِالصِّنَاعَةِ هَلْ يَزِيدُ مَا بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ وَيَنْقُصُ مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْكَيْلَيْنِ هَكَذَا فِيمَا لَمْ تَدْخُلْهُ آفَةٌ فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ قَدْ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ قُلْنَا فِي النُّقْصَانِ لِرَبِّ الْمَالِ قَدْ يُمْكِنُ النَّقْصُ كَمَا زَعَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِلاَ جِنَايَةٍ وَلاَ آفَةٍ فَلَمَّا كَانَ النَّقْصُ يَكُونُ وَلاَ يَكُونُ قُلْنَا إنْ شَاءَ أَحَلَفْنَا لَك الْحَمَّالَ مَا خَانَك وَلاَ تَعَدَّى بِشَيْءٍ أَفْسَدَ مَتَاعَك ثُمَّ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقُلْنَا لِلْحَمَّالِ فِي الزِّيَادَةِ كَمَا قُلْنَا لِرَبِّ الْمَالِ فِي النُّقْصَانِ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ قَدْ تَكُونُ لِأَمْرٍ حَادِثٍ وَلاَ زِيَادَةَ وَيَكُونُ النُّقْصَانُ وَكَانَتْ هَهُنَا زِيَادَةٌ فَإِنْ لَمْ تَدَعْهَا فَهِيَ لِرَبِّ الْمَالِ وَلاَ كِرَاءَ لَك فِيهَا وَإِنْ ادَّعَيْتهَا أَوْفَيْنَا رَبَّ الْمَالِ مَالَهُ تَامًّا وَلَمْ نُسَلِّمْ لَك الْفَضْلَ إلَّا بِأَنْ تَحْلِفَ مَا هُوَ مِنْ مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَتَأْخُذَهُ وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةٌ لاَ يَزِيدُ مِثْلُهَا أَوْفَيْنَا رَبَّ الْمَالِ مَالَهُ وَقُلْنَا الزِّيَادَةُ لاَ يَدَّعِيهَا رَبُّ الْمَالِ فَإِنْ كَانَتْ لَك فَخُذْهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَك جَعَلْنَاهَا كَمَالٍ فِي يَدَيْك لاَ مُدَّعَى لَهُ وَقُلْنَا الْوَرَعُ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مَا لَيْسَ لَك فَإِنْ ادَّعَاهَا رَبُّ الْمَالِ وَصَدَّقْته كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَهُ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا وَإِنْ كُنْت أَنْتَ الْكَيَّالُ لِلطَّعَامِ بِأَمْرِ رَبِّ الطَّعَامِ وَلاَ أَمِينَ لَهُ مَعَك قُلْنَا لِرَبِّ الطَّعَامِ هُوَ مُقِرٌّ بِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَك فَإِنْ ادَّعَيْتهَا فَهِيَ لَك وَعَلَيْك فِي الْمَكِيلَةِ الَّتِي اكْتَرَيْت عَلَيْهَا مَا سَمَّيْت مِنْ الْكِرَاءِ وَعَلَيْك الْيَمِينُ مَا رَضِيت أَنْ يَحْمِلَ لَك الزِّيَادَةَ ثُمَّ هُوَ ضَامِنٌ لاََنْ يُعْطِيَك مِثْلَ قَمْحِك بِبَلَدِك الَّذِي حَمَلَهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ إلَّا أَنْ تَرْضَى بِأَنْ تَأْخُذَهُ فِي مَوْضِعِك فَلاَ يُحَالُ بَيْنَك وَبَيْنَ عَيْنِ مَالِك وَلاَ كِرَاءَ عَلَيْك بِالْعُدْوَانِ‏.‏ وَإِنْ قُلْت رَضِيت بِأَنْ يَحْمِلَ لِي مَكِيلَةً بِكِرَاءٍ مَعْلُومٍ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ فَالْكِرَاءُ فِي الْمَكِيلَةِ جَائِزٌ وَفِي الزِّيَادَةِ فَاسِدٌ الطَّعَامُ لَك وَلَهُ كِرَاءُ مِثْلِهِ فِي كُلِّهِ فَإِنْ كَانَ نُقْصَانٌ لاَ يَنْقُصُ مِثْلُهُ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى فَمَنْ رَأَى تَضْمِينَ الْحَمَّالِ ضَمَّنَهُ مَا نَقَصَ عَنْ الْمَكِيلَةِ لاَ يَدْفَعُ عَنْهُ شَيْئًا وَمَنْ لَمْ يَرَ تَضْمِينَهُ لَمْ يُضَمِّنَهُ وَطَرَحَ عَنْهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

بَابُ خَطَأِ الطَّبِيبِ وَالْإِمَامُ يُؤَدِّبُ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فَمَا تَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ النَّاشِزَةَ فَتُؤْتَى عَلَى يَدَيْهِ فَتَمُوتُ وَالْإِمَامُ يَضْرِبُ الرَّجُلَ فِي الْأَدَبِ أَوْ فِي حَدٍّ فَيَمُوتُ أَوْ الْخَاتِنُ يُؤْتَى عَلَى يَدَيْهِ فَيَمُوتُ أَوْ الرَّجُلُ يَأْمُرُ الرَّجُلَ يَقْطَعُ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهِ فَيَمُوتُ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ الْمُعَلِّمُ يُؤَدِّبُ الصَّبِيَّ وَالرَّجُلُ يُؤَدِّبُ يَتِيمَهُ فَيَمُوتُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَصْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ وَجْهَيْنِ يَكُونُ عَلَيْهِ فِي أَحَدُهُمَا الْعَقْلُ وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ فِي الْآخَرِ الْعَقْلُ فَأَمَّا مَا لاَ يَكُونُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ عَقْلٌ فَمَا كَانَ لاَ يَحِلُّ لِلْإِمَامِ إلَّا أَخْذُهُ مِمَّنْ عَاقَبَهُ بِهِ فَإِنْ تَلِفَ الْمُعَاقَبُ بِهِ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الَّذِي عَاقَبَهُ بِهِ شَيْءٌ وَالْمُقِيمُ عَلَيْهِ مَأْجُورٌ فِيهِ وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَزْنِيَ وَهُوَ بِكْرٌ فَيَجْلِدَهُ أَوْ يَسْرِقَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَيَقْطَعَهُ أَوْ يَجْرَحَ جُرْحًا فَيَقْتَصَّ مِنْهُ أَوْ يَقْذِفَ فَيُجْلَدَ حَدَّ الْقَذْفِ فَكُلُّ مَا كَانَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدٍّ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ مَاتَ فِيهِ فَالْحَقُّ قَتْلُهُ فَلاَ عَقْلَ وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَى الْإِمَامِ فِيهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي يَسْقُطُ فِيهِ الْعَقْلُ أَنْ يَأْمُرَ الرَّجُلُ بِهِ الدَّاءُ الطَّبِيبَ أَنْ يَبُطَّ جَرْحَهُ أَوْ الْأَكْلَةُ أَنْ يَقْطَعَ عُضْوًا يَخَافُ مَشْيَهَا إلَيْهِ أَوْ يَفْجُرَ لَهُ عِرْقًا‏,‏ أَوْ الْحَجَّامَ أَنْ يَحْجُمَهُ أَوْ الْكَاوِيَ أَنْ يَكْوِيَهُ أَوْ يَأْمُرَ أَبُو الصَّبِيِّ أَوْ سَيِّدُ الْمَمْلُوكِ الْحَجَّامَ أَنْ يَخْتِنَهُ فَيَمُوتَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلَمْ يَتَعَدَّ الْمَأْمُورُ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَلاَ عَقْلَ وَلاَ مأخوذية إنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّ الطَّبِيبَ وَالْحَجَّامَ إنَّمَا فَعَلاَهُ لِلصَّلاَحِ بِأَمْرِ الْمَفْعُولِ بِهِ أَوْ وَالِدِ الصَّبِيِّ أَوْ سَيِّدِ الْمَمْلُوكِ الَّذِي يَجُوزُ عَلَيْهِمَا أَمْرُهُ فِي كُلِّ نَظَرٍ لَهُمَا كَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِمَا أَمْرُ أَنْفُسِهِمَا لَوْ كَانَا بَالِغَيْنِ فَأَمَّا مَا عَاقَبَ بِهِ السُّلْطَانُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَجَبَ لِلَّهِ وَتَلِفَ مِنْهُ الْمُعَاقَبُ فَعَلَى السُّلْطَانِ عَقْلُ الْمُعَاقَبِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الْعَقْلِ الَّذِي يَلْزَمُ السُّلْطَانُ فَأَمَّا الَّذِي أَخْتَارُ وَاَلَّذِي سَمِعْت مِمَّنْ أَرْضَى مِنْ عُلَمَائِنَا أَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَاقِلَةِ السُّلْطَانِ وَقَدْ قَالَ غَيْرُنَا مِنْ الْمَشْرِقِيِّينَ الْعَقْلُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ السُّلْطَانَ إنَّمَا يُؤَدِّبُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا فِيهِ صَلاَحُهُمْ فَالْعَقْلُ عَلَيْهِمْ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ وَهَكَذَا الرَّجُلُ يُؤَدِّبُ امْرَأَتَهُ فَتُؤْتَى عَلَى يَدَيْهِ فَتَتْلَفُ الْعَقْلُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَهَكَذَا كُلُّ أَمْرٍ لاَ يَلْزَمُ السُّلْطَانَ أَنْ يَقُومَ بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ حَدٍّ أَوْ قَتْلٍ وَلَمْ يُبِحْهُ الْمَرْءُ مِنْ نَفْسِهِ عَلَى مَعْنَى الْمَنْفَعَةِ لَهُ فَنَالَهُ مِنْهُ سُلْطَانٌ أَوْ غَيْرُهُ فَلاَ يَبْطُلُ الْعَقْلُ بِهِ‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لِمَ زَعَمْت أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُؤَدِّبَ وَأَنْ يَحُدَّ ثُمَّ أَبْطَلْت مَا تَلِفَ بِالْحَدِّ وَأَلْزَمْته مَا تَلِفَ بِالْأَدَبِ‏؟‏ قُلْنَا فَإِنَّ الْحَدَّ فَرْضٌ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَقُومَ بِهِ وَإِنْ تَرَكَهُ كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ بِتَرْكِهِ وَالْأَدَبُ أَمْرٌ لَمْ يُبَحْ لَهُ إلَّا بِالرَّأْيِ وَحَلاَلٌ لَهُ تَرْكُهُ أَلاَ تَرَى‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَدْ غَلُّوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَمْ يُعَاقِبْهُمْ‏.‏‏}‏ وَلَوْ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ تَلْزَمُ لُزُومَ الْحَدِّ مَا تَرَكَهُمْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَطَعَ امْرَأَةً لَهَا شَرَفٌ فَكُلِّمَ فِيهَا فَقَالَ‏:‏ ‏{‏لَوْ سَرَقَتْ فُلاَنَةُ لِامْرَأَةٍ شَرِيفَةٍ لَقَطَعْت يَدَهَا‏}‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ‏}‏ وَاَلَّذِي يُعْرَفُ أَنَّ الْخَطَأَ أَنْ يَرْمِيَ الشَّيْءَ فَيُصِيبَ غَيْرَهُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ مَعْنَى غَيْرِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَمْ أَعْلَمُ مَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُخَالِفًا فِي أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرْمِيَ الصَّيْدَ وَأَنْ يَرْمِيَ الْغَرَضَ وَأَنَّهُ لَوْ رَمَى وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلاَ يَرَى إنْسَانًا وَلاَ شَاةً لِإِنْسَانٍ فَأَصَابَتْ الرَّمْيَةُ إنْسَانًا أَوْ شَاةً لِإِنْسَانٍ ضَمِنَ دِيَةَ الْمُصَابِ إذَا مَاتَ وَثَمَنَ الشَّاةِ إذَا مَاتَتْ فَوَجَدْت حُكْمَهُمْ لَهُ بِإِبَاحَةِ الرَّمْيَةِ إذَا تَعَقَّبَ فَمَعْنَاهُ مَعْنَى أَنْ يَرْمِيَ عَلَى أَنْ لاَ يُتْلِفَ مُسْلِمًا وَلاَ حَقَّ مُسْلِمٍ وَوَجَدْته يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الرَّمْيَ كَمَا وَجَدْته يَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتْرُكَ الْعُقُوبَةَ وَكَانَ الشَّيْءُ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ وَلَهُ تَرْكُهُ بِالرَّمْيَةِ يَرْمِيهَا الرَّجُلُ مُبَاحَةً لَهُ وَلَهُ تَرْكُهَا فَيُتْلِفُ شَيْئًا فَيَضْمَنُهُ الرَّامِي أَشْبَهَ بِهِ مِنْهُ بِالْحَدِّ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَأْخُذَهُ بَلْ الْعُقُوبَةُ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً إنْ جَاءَ فِيهَا تَلَفٌ مِنْ الرَّمْيَةِ لِأَنَّهُ لاَ يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّ الرَّمْيَةَ مُبَاحَةٌ وَقَدْ يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي الْعُقُوبَاتِ فَيَكْرَهُ بَعْضُهُمْ الْعُقُوبَةَ وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لاَ يَبْلُغُ بِالْعُقُوبَةِ كَذَا وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لاَ يُزَادُ فِيهَا عَلَى كَذَا وَفِي مِثْلِ مَعْنَى الرَّامِي الرَّجُلُ يُؤَدِّبُ امْرَأَتَهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا وَكَانَ التَّرْكُ خَيْرًا لَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْدَ الْإِذْنِ بِضَرْبِهِنَّ ‏:‏ ‏{‏لَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ‏}‏ وَكَانَ الضَّارِبُ إذَا كَانَ التَّرْكُ خَيْرًا لَهُ أَوْلَى أَنْ يَضْمَنَ إنْ كَانَ تَلَفٌ عَلَى الْمَضْرُوبِ لِأَنَّهُ عَامِدٌ لِلضَّرْبِ الَّذِي بِهِ التَّلَفُ فِي الْحُكْمِ مِنْ الرَّامِي الَّذِي لَمْ يَعْمِدْ قَطُّ أَنْ يُصِيبَ الْمَرْمِيَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ يَعْنِيه سِوَى هَذَا‏؟‏ فَهَذَا مُكْتَفًى بِهِ وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ فِي حَدٍّ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّ الْحَقَّ قَتْلُهُ إلَّا الْمَحْدُودُ فِي الْخَمْرِ فَإِنَّهُ شَيْءٌ أَحْدَثْنَاهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ مَاتَ مِنْهُ فَدِيَتُهُ لاَ أَدْرِي قَالَ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَى الَّذِي حَدَّهُ‏,‏ شَكَّ الشَّافِعِيُّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بَعَثَ إلَى امْرَأَةٍ فِي شَيْءٍ بَلَغَهُ عَنْهَا فَذَعَرَهَا فَفَزِعَتْ فَأَسْقَطَتْ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ فِي سِقْطِهَا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنهما كَلِمَةً لاَ أَحْفَظُهَا أَعْرِفُ أَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّ عَلَيْهِ الدِّيَةَ فَأَمَرَ عُمَرُ عَلِيًّا رضي الله عنهما أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى قَوْمِهِ وَقَدْ كَانَ لِعُمَرَ أَنْ يَبْعَثَ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحُدَّ فِي الْخَمْرِ عِنْدَ الْعَامَّةِ فَلَمَّا كَانَ فِي الْبَعْثَةِ تَلَفٌ عَلَى الْمَبْعُوثِ إلَيْهَا أَوْ عَلَى ذِي بَطْنِهَا فَقَالَ عَلِيٌّ وَقَالَ عُمَرُ إنَّ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الدِّيَةَ كَانَ الَّذِي نَرَاهُمْ ذَهَبُوا إلَيْهِ مِثْلَ الَّذِي وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ لِي أَنْ أَرْمِيَ عَلَى أَنْ لاَ يَتْلَفَ أَحَدٌ بِرَمْيَتِي فَذَهَبُوا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ الرِّسَالَةُ فَعَلَيْهِ أَنْ لاَ يُتْلِفَ بِهَا أَحَدًا فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَ وَكَانَ الْمَأْثَمُ مَرْفُوعًا‏.‏

الْجَمَلُ الصَّئُولُ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ حَكَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إذَا صَالَ الْجَمَلُ عَلَى الرَّجُلِ أَقَامَ بَيِّنَةً بِصِيَالِهِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ ضَرَبَهُ عِنْدَ صِيَالِهِ فَقَتَلَهُ أَوْ عَقَرَهُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ إلَّا قَوْلُهُ ضَمِنَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَضْمَنُ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ لاَ جِنَايَةَ لِبَهِيمَةٍ تَحِلُّ دَمُهَا وَلاَ جُرْحُهَا‏.‏ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَقُولُ قَوْلُهُ فِيهِ قَوْلاً قَدْ جَمَعْته وَحَكَيْت مَا حَضَرَنِي فِيهِ وَكُلُّهُ قَالاَهُ لِي أَوْ أَحَدُهُمَا وَقُلْته لَهُمَا فَقَالَ مَا تَقُولُ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ‏؟‏ قُلْت أَقُولُ بِمَا حَكَيْت عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ قَالُوهُ قَالَ فَمَا حُجَّتُك فِيهِ‏؟‏ قُلْت إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَنَعَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِحَقِّهَا وَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيمَا عَلِمْت أَوْ مَنْ عَلِمْت قَوْلَهُ مِنْهُمْ فِي أَنَّ مُسْلِمًا لَوْ أَرَادَنِي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لاَ يَمْنَعُنِي مِنْهُ بَابٌ أُغْلِقُهُ وَلاَ قُوَّةَ لِي بِمَنْعِهِ وَلاَ مَهْرَبَ أَمْتَنِعُ بِهِ مِنْهُ وَكَانَتْ مَنَعَتِي مِنْهُ الَّتِي أَدْفَعُ عَنِّي إرَادَتَهُ لِي إنَّمَا بِضَرْبِهِ بِسِلاَحٍ فَحَضَرَنِي سَيْفٌ أَوْ غَيْرُهُ كَانَ لِي ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ لِأَمْنَعَ حُرْمَتِي الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ انْتِهَاكَهَا فَإِنْ أَتَى الضَّرْبُ عَلَى نَفْسِهِ فَلاَ عَقْلَ عَلَيَّ وَلاَ قَوَدَ وَلاَ كَفَّارَةَ لِأَنِّي فَعَلْت فِعْلاً مُبَاحًا لِي فَلَمَّا كَانَ هَذَا فِي الْمُسْلِمِ هَكَذَا كَانَ الْبَعِيرُ أَقَلَّ حُرْمَةً وَأَصْغَرَ قَدْرًا وَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ هَذَا فِيهِ قَالَ إنَّ الْبَعِيرَ لاَ يُقْتَلُ إنْ قَتَلَ وَالْمُسْلِمُ إنْ قَتَلَ قُتِلَ قُلْت مَا خَالَفْتُك فِي هَذَا فَأَيْنَ زَعَمْت أَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِيهِ‏؟‏‏.‏ وَإِنَّمَا جَمَعْت بَيْنَهُمَا حَيْثُ اجْتَمَعَا وَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا حَيْثُ افْتَرَقَا وَإِنَّمَا قُلْت الْمُسْلِمُ فِي الْحَالِ الَّتِي وَصَفْت أَرَادَ فِيهَا الْجِنَايَةَ فَقَالَ مَا قَتَلْته إلَّا بِجِنَايَةٍ وَلَوْلاَ الْجِنَايَةُ مَا حَلَّ لَك دَمُهُ قُلْت فَهَلْ تَكُونُ الْإِرَادَةُ جِنَايَةً‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَمَا تَقُولُ فِيمَا لَوْ أَرَادَنِي فَحَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَهْرٌ أَوْ خَنْدَقٌ أَوْ انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ أَوْ يَدُهُ أَوْ حَبَسَهُ حَابِسٌ وَهُوَ يُرِيدُنِي إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنَلْنِي حَيْثُ هُوَ بِيَدٍ وَلاَ بِسِلاَحٍ أَكَانَ يَحِلُّ لِي قَتْلُهُ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت وَلَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَنَالُنِي فَظَفِرْت بِسِلاَحِهِ حَتَّى صَارَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَيَّ أَيَحِلُّ لِي قَتْلُهُ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت وَلَوْ جَرَحْته جَرْحًا يَمْنَعُهُ مِنْ قَتْلِي وَهُوَ يُرِيدُنِي أَكَانَ يَحِلُّ لِي قَتْلُهُ قَالَ لاَ‏,‏ قُلْت وَلَوْ أَرَادَنِي وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَا يَقْتُلُنِي بِهِ كَانَ يَحِلُّ لِي قَتْلُهُ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت وَأُسْمِعُك مَزِيدًا إلَى حَالاَتٍ تَزْعُمُ أَنَّ دَمَهُ فِيهَا كُلِّهَا مُحَرَّمٌ فَلَوْ كُنْت إنَّمَا أَبَحْت دَمَهُ بِالْإِرَادَةِ فَقَطْ انْبَغَى أَنْ تُبِيحَ دَمَهُ فِي هَذِهِ الْحَالاَتِ كُلِّهَا‏.‏ قَالَ فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَبَحْت دَمَهُ‏؟‏ قُلْت يَمْنَعُ اللَّهُ تَعَالَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَنْتَهِكَ مِنِّي فَلَمَّا لَمْ أَجِدْ مَانِعًا لِدَمِي إلَّا ضَرْبُهُ ضَرَبْته فَإِذَا صَارَ إلَى الْحَالِ الَّتِي لاَ يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى قَتْلِي فَدَمُهُ مُحَرَّمٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فِعْلاً يَحِلُّ دَمُهُ إنَّمَا فَعَلَ فِعْلاً يَحِلُّ مَنْعُهُ لاَ دَمُهُ فَإِنْ كَانَ فِي مَنْعِهِ حَتْفُهُ فَهُوَ أَحَلَّهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَتْفُهُ لَمْ يَحِلَّ لِي قَتْلُهُ بَعْدَ أَمَانِي مِنْ أَنْ يَقْتُلَنِي‏.‏ وَكَذَلِكَ فِي الْحَالاَتِ الَّتِي وَصَفْت لَك قَبْلَ أَنْ أَضْرِبَهُ فَلَوْ صَارَ إلَى حَالٍ امْتَنَعَ فِيهَا مِنْهُ بِغَيْرِ ضَرْبِهِ لَمْ يَحِلَّ لِي ضَرْبُهُ‏.‏ وَكَذَلِكَ الْجَمَلُ إذَا لَمْ أَقْدَرِ عَلَى دَفْعِهِ إلَّا بِمَا دَفَعْت بِهِ الْمُسْلِمَ مِنْ الضَّرْبِ ضَرَبْته وَإِنْ أَتَتْ الضَّرْبَةُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ صَارَ إلَى الْحَالِ الَّتِي آمَنُهُ فِيهَا عَلَى نَفْسِي لَمْ يَحِلَّ لِي ضَرْبُهُ وَلَوْ ضَرَبْته فَقَتَلْته غَرِمْت ثَمَنَهُ فَلَمْ أُبِحْهَا بِجِنَايَةٍ إنَّمَا الْجِنَايَةُ الْفِعْلُ لاَ الْإِرَادَةُ وَلَكِنْ أَبَحْتهَا لِمَنْعِ حُرْمَتِي‏,‏ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ‏,‏ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الِاسْتِحْقَاقُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا اعْتَرَفَ الرَّجُلُ دَابَّةً فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَالْمُعْتَرَفَة فِي يَدَيْهِ يُنْكِرُ أَوْ لاَ يُنْكِرُ وَلاَ يَعْتَرِفُ كُلِّفَ الْمُعْتَرِفُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهَا دَابَّتُهُ لاَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَاعَ وَلاَ وَهَبَ أَوْ قَالُوا لَمْ يَبِعْ وَلَمْ يَهَبْ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُمْ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الْعِلْمِ أَحَلَفَ صَاحِبَ الدَّابَّةِ بِاَللَّهِ إنَّ هَذِهِ الدَّابَّةَ مَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ثُمَّ دُفِعَتْ إلَيْهِ وَإِذَا أَسَلَفَ الرَّجُلُ عَبْدًا فِي طَعَامٍ أَوْ ثَوْبًا أَوْ عَرْضًا أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ مَا كَانَ فَاسْتَحَقَّ مَا سَلَّفَ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْعَيْنُ الَّذِي أَسَلَفَهُ وَلاَ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ بَاعَهَا وَهُوَ لاَ يَمْلِكُهَا وَهَذَا فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ فَمَنْ بَاعَ عَيْنًا أَوْ اشْتَرَى بِعَيْنٍ وَشِرَاؤُهُ بِالْعَيْنِ بَيْعٌ لِلْعَيْنِ فَاسْتُحِقَّتْ تِلْكَ الْعَيْنُ انْتَقَضَ الْبَيْعُ‏,‏ وَإِذَا بَاعَ صِفَةً مِنْ الصِّفَاتِ مَضْمُونَةً فَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَاسْتُحِقَّتْ لَمْ يُنْتَقَضْ الْبَيْعُ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَقَعْ عَلَى تِلْكَ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ مَضْمُونٍ بِصِفَةٍ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ كَالدَّيْنِ عَلَيْهِ وَلاَ يَبْرَأُ مِنْهُ هُوَ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ لِصَاحِبِهِ فَكُلَّمَا اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ بِصِفَةٍ رَجَعَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ تِلْكَ الصِّفَةَ‏,‏ وَإِذَا صَرَفَ دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا بِدَرَاهِمَ بِأَعْيَانِهَا فَاسْتُحِقَّتْ الدَّرَاهِمُ أَوْ الدَّنَانِيرُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهَا‏.‏

‏(‏قَالَ الرَّبِيعُ‏)‏ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَاسْتُحِقَّ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ بَطَلَ الْبَيْعُ كُلُّهُ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ حَلاَلاً وَحَرَامًا فَبَطَلَتْ كُلُّهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ جَارِيَةً فَأَوْلَدَهَا مِنْ سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرِ أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ نَكَحَتْهُ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا سَيِّدُهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا لِسَيِّدِهَا وَعَلَيْهِ قِيمَةُ أَوْلاَدِهَا مِنْهُ يَوْمَ سَقَطُوا لِأَنَّ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا كَانَ لَهُمْ حُكْمُ الدُّنْيَا وَيَأْخُذُهَا سَيِّدُهَا مَمْلُوكَةً وَإِنَّمَا أُعْتِقَ الْوَلَدُ بِالْغُرُورِ‏,‏ وَلَوْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ فَنَكَحَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ وَلَدَهُ مَمَالِيكُ‏,‏ وَلَوْ كَانَ أَمَتَانِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَاهُمَا وَصَارَتْ إحْدَاهُمَا لِأَحَدِهِمَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ آخَرُ أَخَذَهَا وَمَهْرَ مِثْلِهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا وَوَلَدُهَا أَحْرَارٌ وَانْتَقَضَ الْقَسَمُ بَيْنَهُمَا وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ بَاقِيَةً بَيْنَهُمَا‏,‏ وَإِذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ جَارِيَةً فَمَاتَتْ فِي يَدَيْهِ فَالْمَوْتُ فَوْتٌ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْقِيمَةِ عَلَى الَّذِي مَاتَتْ فِي يَدَيْهِ وَلِلَّذِي مَاتَتْ فِي يَدَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا فَهُمْ أَحْرَارٌ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ يَوْمَ سَقَطُوا‏,‏ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَلَمْ تَمُتْ غَيْرَ أَنَّهَا زَادَتْ فِي يَدَيْهِ أَوْ نَقَصَتْ بِجِنَايَةٍ أَصَابَتْهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ السَّمَاءِ رَدَّهَا بِعَيْنِهَا وَلاَ يُقَالُ لِهَذَا فَوْتٌ إنَّمَا يُقَالُ لِهَذَا زِيَادَةٌ أَوْ نَقْصٌ فَيَرُدُّهَا زَائِدَةً وَلاَ شَيْءَ لَهُ فِي الزِّيَادَةِ وَنَاقِصَةً وَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَخَذَ لَهَا أَرْشًا أَكْثَرَ مِمَّا نَقَصَهَا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَيَرُدُّ النَّقْصَ الَّذِي مِنْ غَيْرِهِ جِنَايَتَهُ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لَهَا لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِغَيْرِهِ فَأَمَّا زِيَادَةُ الْأَسْوَاقِ وَنُقْصَانُهَا فَلَيْسَتْ مِنْ الْأَبْدَانِ بِسَبِيلٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَغْصِبُهَا ثَمَنَ مِائَةٍ بِالْغَلاَءِ ثُمَّ تَزِيدُ فِي بَدَنِهَا وَتَنْقُصُ أَسْوَاقُهَا فَتَكُونُ ثَمَّةَ خَمْسِينَ أَفَيُقَالُ لِهَذَا الَّذِي زَادَتْ فِي يَدِهِ الَّذِي يَشْهَدُ رَبُّ الْجَارِيَةِ وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهَا الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْهَا يَوْمَ أَخَذَهَا بِالضَّعْفِ فِي بَدَنِهَا أُغْرِمَ نِصْفَ قِيمَتِهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا رَخُصَتْ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ إنَّمَا يَغْرَمُ نَقْصَ بَدَنِهَا لِأَنَّهُ نَقْصُ عَيْنِ سِلْعَةِ الْمَغْصُوبِ فَأَمَّا نَقْصُ الْأَسْوَاقِ فَلَيْسَ مِنْ جِنَايَتِهِ وَلاَ بِسَبَبِهَا‏.‏

وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْأَرْضَ فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ نِصْفَهَا وَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ قُسِمَتْ الْأَرْضُ فَمَا وَقَعَ لِلْمُسْتَحِقِّ فَعَلَى الْمُشْتَرِي قَلْعُ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ مِنْهُ‏,‏ وَكَذَا حَمْلُهُ وَيَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْبَائِعِ وَبِنِصْفِ الثَّمَنِ‏,‏ وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَقْسِمَانِهَا‏.‏

‏(‏قَالَ الرَّبِيعُ‏)‏ آخِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ مَا اشْتَرَى فَإِنَّ الْبَيْعَ كُلٌّ بَاطِلٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ حَلاَلاً وَحَرَامًا فَبَطَلَتْ كُلُّهَا‏.‏

‏(‏قَالَ الرَّبِيعُ‏)‏ وَيَأْخُذُ رَبُّ الْأَرْضِ أَرْضَهُ وَيَقْلَعُ بِنَاءَهُ مِنْهَا وَغِرَاسَهُ وَيَرْجِعُ رَبُّ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا غَرِمَ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مَا أُخِذَ مِنْهُ‏.‏

الْأَشْرِبَةُ

‏(‏أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ‏)‏ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ‏}‏ وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ‏:‏ ‏{‏سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِتْعِ فَقَالَ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ‏}‏ وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْغُبَيْرَاءِ فَقَالَ لاَ خَيْرَ فِيهَا‏}‏ وَنَهَى عَنْهَا‏.‏ قَالَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ هِيَ السُّكْرَكَةُ‏,‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ‏}‏‏.‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ كُنْت أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَتَمْرٍ فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا أَنَسُ قُمْ إلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا فَقَالَ أَنَسٌ فَقُمْت إلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مَعْبَد بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أُمِّهِ وَقَدْ كَانَتْ صَلَّتْ الْقِبْلَتَيْنِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْخَلِيطَيْنِ وَقَالَ انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ‏}‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ‏:‏ ‏{‏نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ الْأَخْضَرِ وَالْأَبْيَضِ وَالْأَحْمَرِ‏}‏‏.‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ‏:‏ ‏{‏لَمَّا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْأَوْعِيَةِ قِيلَ لَهُ لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَجِدُ سِقَاءً فَأْذَنْ لَهُمْ فِي الْجَرِّ غَيْرِ الْمُزَفَّتِ‏}‏‏.‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏لاَ تَنْبِذُوا فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ‏}‏ قَالَ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاجْتَنِبُوا الْحَنَاتِمَ وَالنَّقِيرَ‏,‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ‏:‏ سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْت أَنَسًا يَقُولُ‏:‏ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ أَنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ‏.‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ أَبَا تَمِيمٍ الْجَيَشَانِيَّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِتْعِ فَقَالَ‏:‏ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنْبَذُ لَهُ فِي سِقَاءٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَتَوْرٌ مِنْ حِجَارَةٍ‏}‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَأَقْبَلْت نَحْوَهُ فَانْصَرَفَ قَبْلَ أَنْ أَبْلُغَهُ فَسَأَلْت مَاذَا قَالَ‏؟‏ قَالُوا نَهَى أَنْ نَنْتَبِذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ‏}‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُنْتَبَذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ‏}‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالْبُسْرُ جَمِيعًا وَالتَّمْرُ وَالزَّهْوُ جَمِيعًا‏}‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ وَعْلَةَ الْمِصْرِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا يُعْصَرُ مِنْ الْعِنَبِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما‏:‏ ‏{‏أَهْدَى رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاوِيَةً مِنْ خَمْرٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ حَرَّمَهَا‏؟‏‏}‏ قَالَ‏:‏ لاَ‏,‏ فَسَارَّ إنْسَانًا إلَى جَنْبِهِ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ بِمَ سَارَرْتَهُ‏؟‏ فَقَالَ أَمَرْتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا‏}‏ فَفَتَحَ فَمَ الْمَزَادَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهِمَا أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً بَاعَ خَمْرًا فَقَالَ قَاتَلَ اللَّهُ فُلاَنًا بَاعَ الْخَمْرَ أَوْ مَا عَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا وَبَاعُوهَا‏؟‏‏}‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَّةِ الْجَرْمِيِّ قَالَ أَلاَ إنِّي لاََوَّلُ الْعَرَبِ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ فَسَأَلْته عَنْ الْبَاذَقِ فَقَالَ سَبَقَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَاذَقُ وَمَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالُوا لَهُ‏:‏ إنَّا نَبْتَاعُ مِنْ ثَمَرِ النَّخِيلِ وَالْعِنَبِ فَنَعْصِرُهُ خَمْرًا فَنَبِيعُهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتَهُ وَمَنْ سَمِعَ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إنِّي لاَ آمُرُكُمْ أَنْ تَبِيعُوهَا وَلاَ تَبْتَاعُوهَا وَلاَ تَعْصِرُوهَا وَلاَ تَسْقُوهَا فَإِنَّهَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ‏.‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ‏,‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ سَلاَمَةَ أَخْبَرَاهُ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه حِينَ قَدِمَ الشَّامَ شَكَا إلَيْهِ أَهْلُ الشَّامِ وَبَاءَ الْأَرْضِ وَثِقَلَهَا وَقَالُوا لاَ يُصْلِحُنَا إلَّا هَذَا الشَّرَابُ فَقَالَ عُمَرُ اشْرَبُوا الْعَسَلَ فَقَالُوا لاَ يُصْلِحُنَا الْعَسَلُ فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ هَلْ لَك أَنْ نَجْعَلَ لَك مِنْ هَذَا الشَّرَابِ شَيْئًا لاَ يُسْكِرُ فَقَالَ نَعَمْ فَطَبَخُوهُ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ الثُّلُثَانِ وَبَقِيَ الثُّلُثُ فَأَتَوْا بِهِ عُمَرَ فَأَدْخَلَ فِيهِ عُمَرُ أُصْبُعَهُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ فَتَبِعَهَا يَتَمَطَّطُ فَقَالَ هَذَا الطِّلاَءُ هَذَا مِثْلُ طِلاَءِ الْإِبِلِ فَأَمَرَهُمْ عُمَرُ أَنْ يَشْرَبُوهُ فَقَالَ لَهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَحْلَلْتَهَا وَاَللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ كَلًّا وَاَللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي لاَ أُحِلُّ لَهُمْ شَيْئًا حَرَّمْتَهُ عَلَيْهِمْ وَلاَ أُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ شَيْئًا أَحْلَلْتَهُ لَهُمْ‏,‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ إنِّي وَجَدْت مِنْ فُلاَنٍ رِيحَ شَرَابٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ شَرِبَ الطِّلاَءَ وَإِنِّي سَائِلٌ عَمَّا شَرِبَ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ تَامًّا‏.‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قُلْت لِعَطَاءٍ أَتَجْلِدُ فِي رِيحِ الشَّرَابِ‏؟‏ فَقَالَ عَطَاءٌ إنَّ الرِّيحَ لَتَكُونُ مِنْ الشَّرَابِ الَّذِي لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ‏,‏ فَإِذَا اجْتَمَعُوا جَمِيعًا عَلَى شَرَابٍ وَاحِدٍ فَسَكِرَ أَحَدُهُمْ جُلِدُوا جَمِيعًا الْحَدَّ تَامًّا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَوْلُ عَطَاءٍ مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ لاَ يُخَالِفُهُ لاَ يُعْرَفُ الْإِسْكَارُ فِي الشَّرَابِ حَتَّى يَسْكَرَ مِنْهُ وَاحِدٌ فَيُعْلَمَ مِنْهُ أَنَّهُ مُسْكِرٌ ثُمَّ يُجْلَدُ الْحَدَّ عَلَى شُرْبِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ صَاحِبَهُ قِيَاسًا عَلَى الْخَمْرِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه خَرَجَ يُصَلِّي عَلَى جِنَازَةٍ فَسَمِعَهُ السَّائِبُ يَقُولُ إنِّي وَجَدْت مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ رِيحَ شَرَابٍ وَأَنَا سَائِلٌ عَمَّا شَرِبُوا فَإِنْ كَانَ مُسْكِرًا حَدَدْتهمْ قَالَ سُفْيَانُ فَأَخْبَرَنِي مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ حَضَرَهُ يَحُدُّهُمْ‏,‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاقْتُلُوهُ‏}‏ لاَ يَدْرِي الزُّهْرِيُّ أَبْعَدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ وَوَضَعَ الْقَتْلَ فَصَارَتْ رُخْصَةً قَالَ سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ لِمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَمُخَوَّلٍ كُونَا وَافِدَيْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ قَالَ‏:‏ ‏{‏رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام حُنَيْنٍ سَأَلَ عَنْ رَحْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَجَرَيْت مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَسْأَلُ عَنْ رَحْلِ خَالِدٍ حَتَّى أَتَاهُ جَرِيحًا وَأُتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمَ بِشَارِبٍ فَقَالَ اضْرِبُوهُ فَضَرَبُوهُ بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَحَثَوْا عَلَيْهِ التُّرَابَ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكِّتُوهُ فَبَكَّتُوهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ‏}‏ فَلَمَّا كَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله تعالى عنه سَأَلَ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ الضَّرْبَ فَقَوَّمَهُ أَرْبَعِينَ فَضَرَبَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ حَيَاتَهُ ثُمَّ عُمَرُ رضي الله تعالى عنه حَتَّى تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الْخَمْرِ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ عَلِيًّا رضي الله تعالى عنه فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ‏.‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَشَارَ فِي الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا الرَّجُلُ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ ثَمَانِينَ فَإِنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى أَوْ كَمَا قَالَ‏:‏ قَالَ فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ فِي الْخَمْرِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَبَلَغَنَا عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ نُقِيمُ عَلَيْهِ حَدًّا فَيَمُوتُ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّ الْحَقَّ قَتْلُهُ إلَّا حَدُّ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ شَيْءٌ رَأَيْنَاهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ مَاتَ فِيهِ فَفِيهِ دِيَةٌ إمَّا قَالَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِمَّا قَالَ عَلَى الْإِمَامِ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لاَ أُوتَى بِأَحَدٍ شَرِبَ خَمْرًا وَلاَ نَبِيذًا مُسْكِرًا إلَّا جَلَدْته الْحَدَّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ جَلَدَ الْوَلِيدَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه قَالَ إنْ يُجْلَدْ قُدَامَةُ الْيَوْمَ فَلَنْ يُتْرَكَ أَحَدٌ بَعْدَهُ وَكَانَ قُدَامَةُ بَدْرِيًّا‏.‏ سَمِعْت الشَّافِعِيَّ وَهُوَ يَحْتَجُّ فِي ذِكْرِ الْمُسْكِرِ فَقَالَ كَلاَمًا قَدْ تَقَدَّمَ لاَ أَحْفَظُهُ فَقَالَ أَرَأَيْت إنْ شَرِبَ عَشَرَةً وَلَمْ يَسْكَرْ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ حَلاَلٌ قِيلَ أَفَرَأَيْت إنْ خَرَجَ فَأَصَابَتْهُ الرِّيحُ فَسَكِرَ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ حَرَامٌ قِيلَ لَهُ أَفَرَأَيْت شَيْئًا قَطُّ شَرِبَهُ رَجُلٌ وَصَارَ فِي جَوْفِهِ حَلاَلاً ثُمَّ صَيَّرَتْهُ الرِّيحُ حَرَامًا‏؟‏ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ‏؟‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ الْعَلاَءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ‏}‏‏.‏